في السابع من مايو/أيار الجاري، غادرت شيوا أرسطويي عالمنا، تاركة وراءها غموضاً يشبه صورها الشعرية، فيما أكّد مقربون، من دون تصريح رسمي، أن وفاتها كانت نتيجة انتحار. شيوا، الشاعرة والروائية والمترجمة الإيرانية، وُلدت عام 1960، وشكّلت خلال التسعينيات نبرة مختلفة في المشهد الشعري الفارسي، خرجت من جلباب النماذج الكلاسيكية أو الخطابية، وذهبت نحو بناء لغة خاصة.

في محاولة لتعريف القارئ العربي بمنجز الشاعرة والروائية الراحلة، تواصلت “العربي الجديد” مع المترجم والشاعر وأستاذ الأدب العربي في جامعة طهران، موسى بيدج، الذي واكب تجربتها، حيث يصفها بأنها “شاعرة متميّزة بدأت بالنشر في الثمانينيات، وبرزت بوصفها صوتاً مختلفاً في تسعينيات القرن الماضي. ما يميّز نتاجها الشعري أنها بحثت في لغة متجدّدة قوامها الانزياح والتفرّع عن الطريق المُعبَّد في الشعر الفارسي”. 

ويُضيف: “التطرق إلى موضوع الإنسان في سجنه المعاصر، وحرية التعبير، وحقوق المرأة المسلوبة، كانت من أبرز هواجسها في الكتابة الشعرية. كذلك استعارت، من حبّها للسينما، الصورة السينمائية لتجعل منها صورة شعرية مكثّفة تختصرها بإشارة مقتضبة ملؤها السريالية، تكتب في إحدى قصائدها: ‘أنا التي تنكر أسناني كلبيّتي!’ (بمعنى صفاتي الكلبية)، وتقول في مكان آخر: ‘أنا التي تفوح من دمي رائحة أول فستقة’، هذه الانزياحات السريالية تشفر قصائد شيوا، وتجعلها من جهة ذات بعد جديد، ومن أُخرى متلبسة بالغموض والعمق”.

ويضيف صاحب كتاب “طريق الحرير بين الثقافتين العربية والفارسية”: “في قصائد شيوا سمة الشجن ظاهرة، ما يدلّ على تقوقعها في سجن اللغة والبحث عن الخلاص في الكلمة. هذا الأمر لا شك هو الذي جعلها تنزاح من كتابة القصيدة إلى كتابة الرواية التي تلمّست فيها مساحة أكبر للقول والخلاص، نشرت مجموعتين شعريّتين واكتفت بهما، ومن ثم انتقلت إلى الرواية”. وعمّا إذا كانت قد قُدِّمت أعمالُها مترجَمة إلى العربية من قبل، أو قابليتها لذلك، يقول بيدج: “لا أظن أن يكون لنتاجها ترجمة في اللغة العربية. طبعاً المشكلة ليست فيها، إنما في قلّة عدد مترجمي الفارسية إلى العربية، وهذا العدد القليل ما زال منشغلاً بترجمة روّاد الشعر الفارسي الحديث”.

موسى بيدج - القسم الثقافي
موسى بيدج (العربي الجديد)

ويقرأ بيدج في حديثه إلى “العربي الجديد” خبر انتحار صاحبة رواية “بيبي شهرزاد”، ومجموعة “جئت لأشرب الشاي مع ابنتي”، من خلال قصيدتها ذاتها، معتبراً أنّ “الشاعر يعيش في كنف الحياة والموت في آن واحد، وكل قصيدة تنبع من روح الشاعر الحقيقي هي مشروع موت مؤجل. إذن، لا نستغرب إذا كانت قصائد الشاعرة تتحدث عن الموت كما تتحدث عن الحياة، لأن مشروع الانزياح عن المألوف هو موت بحد ذاته. فالعيش عمل مألوف، ويبقى الموت هو غير المألوف، والشاعر دوماً يبحث عن غير المألوف. يبقى أن نسأل: هل شيوا انتحرت في يوم ميلادها أم أنها رحلت؟ حقيقة إلى الآن ليس هناك ما يؤكّد ذلك، فالعائلة لم تقل شيئاً واكتفت بخبر رحيلها. فقد كتب ابنها عبر تطبيق إنستغرام خبراً موجزاً يقول فيه: أنا ابن شيوا إنها رحلت، حقاً قد رحلت، رجاء لا تسألوا”. 

يختم: “من دون شكّ عناوين رواياتها تدلّ على قلق الوجود الذي يساورها، مثلاً تقول عن روايتها ‘الخوف’: إنها حديث عن أکثر المخاوف ظهوراً، تلك المخاوف المستجدّة التي أُضيفت إلى حياتنا في العصر الجديد. فأصبحنا نهرب من مخيلة الخوف إلى واقع الخوف”، كما تقول: ‘نحن نعيش في مجتمع تكون المرأة فيه في حدّ ذاتها معضلة’، وهناك قصيدة لها تقول فيها: ‘لقد رحلت/ ومنذ الآن/ سيكون بيني وبين المدفأة/ جناح بجعة تحترق'”.

العربي الجديد