ليسوا أصحاب الهتافات العالية، ولا الباحثين عن الأضواء؛ بل أولئك الذين يعبرون حياتنا بهدوء، نراهم عاديين تمامًا؛ حتى تأتي لحظة استثنائية أو مفصلية؛ ينكسر فيها الجميع، فيقفون.
لحظة يُخرس فيها الخوفُ الأصوات؛ فينطقون.
لحظة تُباع فيها المبادئ؛ بها – وكأنها الحياة نفسها- يتمسكون.
هؤلاء لم يصبحوا أبطالًا فجأة، ولم يهبط عليهم النبل بين ليلة وضحاها.
بل كانوا يومًا أطفالًا صغارًا، تعلّموا الصدق حين كان الكذب سهلا، واختاروا الثبات حين كان التراجع مغريًا، وتدرّبوا على قول “لا” حيث كان الجميع يقول “نعم”.
ستقولون:
كيف نربي أبناءنا ليكونوا مثلهم؟
كيف نغرس فيهم قوةً لا تهتز أمام العاصفة، وشجاعةً لا تبيع الحق مهما كان الثمن باهظًا؟
– أن نزرع فيهم وضوح الحق..
إذ لا يكفي أن نقول لأطفالنا: “كونوا شجعانًا”؛
بل يجب أن نعلّمهم كيف يميّزون الحق من الباطل..
كيف يدركون أن الصمت عن الظلم مشاركة فيه، وأن الحقيقة قد تكون ثقيلة لكنها تستحق الثبات.
وليس بالكلام وحده، بل بأن نكون قدوة لهم.
حين يسأل الطفل عن موقف شائك؛ فلنكن صادقين، لنقل الحق بوضوح، دون مواربة أو تردد.
– أن نعلّمهم أن الثمن لا يعني التراجع..
نريد أبناءنا أقوياء، لكن هل نرضى لهم المشقة؟
الحقيقة أن القوة لا تُبنى في الراحة..
وعظمة المواقف وبقاؤها قيد ذاكرة الناس والأوطان لا يأتيان دون ثمن.
دعوهم يواجهون نتائج خياراتهم، لا تحموهم دائمًا من العواقب..
فالطفل الذي يتعلم الصبر على مشاكله الصغيرة، هو الذي يكبر ليواجه المشكلات الكبرى بثبات.
– أن ندرّبهم على قول “لا”..
فكم من مرة التقينا شخصًا يرى الخطأ أمامه؛ لكنه يخضع للصوت العالي؟
وما ذلك إلا لأننا نُربّي أبناءنا على الطّاعة والرضوخ أكثر من الاستقلالية والحرية المسؤولة..
وعلى المجاملة والزيف أكثر من المواجهة والصدق.
علينا أن نعلّم أبناءنا أن يكونوا قادرين على قول “لا” حين يجب أن تُقال، ولو كان الجميع يقول “نعم”.
وأن تكون “لا” واضحة راسخة في العقل والوجدان؛ لا خجولة أو مترددة.
– أن لا نطفئ فيهم شعلة الحماسة حين يسألوننا:
“لماذا يحدث الظلم؟”
لا تسكتوه، ولا تقولوا: “هكذا الدنيا”.
وحين يعترض على خطأ، لا توبخوه بل ناقشوه. إن لم نشعل فيهم النور، فعلينا أن لا نندهش إن كبروا في العتمة.
– أن نذكّرهم أن البطولة ليست لحظة واحدة…
وليس البطل من يصنع موقفًا واحدًا ثم يختفي؛ بل من يحمل مبادئه في كل يوم..
في اختياراته البسيطة قبل قراراته المصيرية.
الطفل الذي يرفض الغش في امتحان صغير، هو نفسه الذي سيقف يومًا ليقول: “لا” حين يكون الثمن أكبر.
البطولة تبدأ من التفاصيل الصغيرة التي قد لا ننتبه إليها.
الأبطال لا يولدون فجأة، بل يُصنعون كل يوم، بكلمة، بموقف، بتربية تمنحهم الأساس الصحيح.
وربما، في لحظة لا نعلمها؛ يكشف لنا الزمان عن عملاق كان قبل ذلك بقليل يمشي كأي شخص عادي بيننا؛ لكنه كان فخورًا – قولا وفعلا – بما غرسناه فيه!
Leave a Reply