لم يكن العجز دائمًا في غياب الحل، ولا في انعدام الفكرة.
بل أحيانًا… في الطريقة التي بُلّغت بها الفكرة.
كثيرون امتلكوا مفاتيح؛ لكنهم أوهمونا أن الباب لا يُفتح إلا بكود سريّ لا يفهمه سواهم.
كتبوا لمثقفٍ يُشبههم، في نادٍ مغلق، خلف ستائر اللغة الثقيلة، والمصطلحات المتعالية.
وحين لم يتغير شيء؛ قالوا: الناس لا تفهم.
لا، الناس تفهم.
لكنّها لا تقرأ طلاسم.
ولا تتابع من يتحدث من فوق، أو من الخارج.
كم من مفكرٍ حمل قضايا أمته العادلة؛ لكنه فشل في حملها إلى الناس.
كم من مشروع فكريّ كان يمكن أن يكون رافعة… فصار رفًا في مكتبة، أو اقتباسًا في ندوة.
والطبيعي أن الساحة لن تبقى فارغة.
فحين غاب أهل الفكرة العميقة، بسيطة الطرح… دخل أهل “الفكرة التافهة”، جريئو اللسان.
وحين انشغل العقلاء بالتنظير من بعيد، اقترب المهرّجون من الناس، ورفعوا شعارات بلا جذور.
وحين انكمش أهل الفهم الحقيقيّ في قوقعة التعقيد؛ تمدّد أصحاب الأجندات بصوت عالٍ، وأخذوا أماكنهم.
كان يمكن أن تكون الساحة أنظف بكثير..
كان يمكن أن تُفهم العدالة لا كشعار، بل كأمل عمليّ.
وكان يمكن أن يُبعد العبثيون والفوضويون، فقط لو أن الصوت الآخر كان واضحًا… صادقًا… مفهومًا.
لكن بعض المفكرين، عن غير قصد، خدموا خصومهم.
بأن جعلوا الناس تنفر من “الفكر” أصلًا،
وترى في كل من يتحدث عن التغيير مجرد نسخة جديدة من خطابات لا تُفهم ولا تُحسّ.
النية الطيبة لا تكفي.
والفكرة العميقة لا تُنقذ أحدًا إن بقيت حبيسة الكتب.
والحقّ لا ينتصر إن لم يُشرح جيدًا.
{وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم}
وهذا هو الفارق.
الرسل قالوا للناس ما يُفهم…
بلسانهم وأدواتهم ووسائل عصرهم!
أما بعض المفكرين، فكتبوا ما لا يُقرأ، وقالوا ما لا يُفهم، واضطربت لديهم الأولويات؛ ثم تساءلوا لماذا لم تتغير الأمة؟!!
Leave a Reply