تخشى أن كثرة التفكير في الانتحار قد تجعله مبتذلًا. رغم ذلك، اقتطع التفكير في الانتحار وقتًا طويلًا من يومها. وحين كانت تقلي البيض، فكّرت في الألم: هل هو العائق الأساسي أمام كثيرٍ من الانتحار المحتمل؟
حُرقت طاسة قلي البيض التيفال بينما كانت مسحولةَ التفكير في طرق محتملة لانتحار بلا ألم، أو على الأقل بلا ألم قاسٍ وطويل. ثم فكرت في محاججة: ألمٌ قاسٍ مؤقت ولا ألمٌ دائم. يُنهي الانتحار إذًا ألمًا دائمًا، أو طويلًا بما لا يُحتمل. هل يُحتَمل في لحظةٍ ما؟ قد يفقد العقل القدرة على التمييز، أو يُفقد نفسه إياها تجنبًا لاستمرارية الشعور بالألم.. إنّ كثيرًا من الجنون يحدث بهذه الطريقة.
عليها الآن أن تُنظّف الطاسة التيفال بعناية ودون تجريح، كي لا تخسر ميّزتها الوحيدة؛ أنّها تيفال. لكنها لن تنجح. أمّا البيض، فستقلي آخرَ، وحينها، على الأرجح، ستعاود التفكير في الانتحار مرةً أخرى.
لم يكن قرارًا منها، على أية حال، حصر معظم التفكير في الانتحار خلال قلي البيض. لكن ذلك ما حدث، ويبدو أنه لاقى هوىً عندها، إذ ابتعدت كفاية، كما تعتقد، عن ابتذال الانتحار بكثرة التفكير فيه.
لكن في المقابل، لن يغنيها ذلك عن طاسات تيفال جديدة باستمرار، عليها تحويش الفلوس من زوجها، لشرائها، ربما لأنه هكذا صار قلي البيض ضرورةً لا مفرّ منها تتجاوز الحاجة إلى أكل البيض. عمومًا، لا حاجة مُلحّة لأكل البيض مقليًا أصلًا. لكن الحاجةَ ملحةٌ للتفكير في الانتحار، وأكثر إلحاحًا، الآن، لحصره عند وقتٍ معين ارتبط به، بما لا يجعله، بالنسبة لها، مبتذلًا، كما أن ذلك يجعلها في منطقة الشعور الحذر بأمان عدم التعرض لألم لحظات الانتحار، أو هكذا يبدو.
ولم يكن ليبدوَ لي ذلك إلّا استنادًا إلى نقاشها الذاتي الذي كاد أن يكون أبديًا، ربما لوفرة التيفال والبيض في الأسواق، إذ يطرق سمعي تحوّل همسها إلى همهمة يُمكن تمييز مفرداتها بمرور الوقت والتعوّد، وتَعقِبها مباشرة ثلاث تكّات مزعجات، علامةً على فتح الشفّاط، علامةً على أن طاسةً تيفال على وشك أن تُحرق، أو أنها حُرقت بالفعل.
أوصَلها كثرة التكرار إلى طرقٍ مبتكرة لتجنب رمي البيض المحروق، خاصةً بعد أن وصل سعر البيض لأكثر من خمس جنيهات، والصراحة أنّ لديها تقديرًا خاصًا للالتزام تجاه برامج الإصلاح الاقتصادي، لذا فإنها تضع البيض المحروق في وصفاتٍ أخرى لا تفكر أثناء التحضير لها في مسألة الانتحار.
لكنّ كثرة التكرار لم يوصلها إلى استيضاح العلاقة بين الألم والانتحار، بالأحرى بين الألم والرغبة في الخلاص.
في هذه الحالة، إذا كان الألم حاضرًا في كل الأحوال، لمَ لا تعبر عليه دون أن ينتهي عبورها إلى الموت عمدًا؟
أفكّر في ذلك بينما تصيح هي بـ”لِقيتها”، في الوقت الذي انقطع في يدها حبل الشفّاط وبالكاد وصلت مسامعي تكّة واحدة، ليأمل زوجها أنّ ذلك سيُنهي مهزلة شراء طاسات تيفالٍ جديدة، وأخشى أنا أن أملّ وحيدًا بلا صحبة في منور عمارتنا.
*الترا صوت
Leave a Reply