ساسكيا دي كوستر:هل يمكن للنساء أن يثقن بالرجال؟

0

منذ أن تم تصنيف كتاب“أنا أكره الرجال – Moi, les hommes, je les déteste” للكاتبة الفرنسية الشابة باولين هارمانج (مواليد 1995) من قبل رالف زورميلي، المستشار الفرنسي الخاص لوزارة المساواة بين الجنسين، مؤخرًا، باعتباره “يحض على الكراهية”، ومن ثم “يقع تحت طائلة القانون”، كتبت الشاعرة والكاتبة البلجيكية ساسكيا دي كوستر مقالًا حادًا تدافع فيه عن الكتاب وتعارض الإدانة الفرنسية، متسائلة: لماذا تم حظر كتاب باولين هارمانجفيما بقيت أعمال الكاتب الفرنسي المعروف ميشيل هولبيك المعادية للمرأة متاحة للجميع؟
هنا ترجمة كاملة لمقال دي كوستر الذي نشر مؤخرًا بالملحق الثقافي لصحيفة “دي ستاندارد” البلجيكية، أكبر الصحف الفلمنكية.

(عماد فؤاد)

أخيرًا، وبفضل ميشيل هولبيك، أعرف الآن ما أنا عليه.
“ما هي الدهون الموجودة حول المهبل؟ المرأة”!- هكذا كتب هولبيك ساخرًا في روايته “Plateforme” المليئة بكراهيته للمرأة والصادرة عام 2001، لتشتعل الأجواء من جديد في فرنسا حول ما إذا كان بإمكانك نشر آرائك الكارهة عن الرجال أو النساء بحرية، حدث هذا حين قام المستشار الفرنسي رالف زورميلي الحريص على القضاء على خطاب الكراهية، بتعقب كتاب “أنا أكره الرجال” لباولين هارمانج، حيث اعتبر العنوان تحريضًا على الكراهية، وهو ما يحرّمه القانون. لهذا السبب أراد زورميلي أن يصادر الكتاب الذي ظهر لأول مرة في 400 نسخة فقط لدى دار نشر صغيرة يديرها متطوعون.
جاء الحظر وكأنه ردة فكرية، لكن كيف امتلك الرجل الحق في حظر الكتاب فيما يترك روايات ميشيل هولبيك المعادية للمرأة متاحة للجميع؟ وبسبب هذه الضجة وصل الجدل إلى ما هو أبعد من الحدود الفرنسية وأدى على الفور إلى ارتفاع الطلب على الكتاب الممنوع، وهو ما لم تتحمله دار نشر Monstrographe الصغيرة، فقامت دار Le Seuil العريقة بشراء حقوق طباعة الكتاب لنشره على نطاق أوسع.
“أنا أكره الرجال”، لنفترض الآن أنك استبدلت كلمة “الرجال” في العنوان بكلمة “السود”، فسوف يكون ذلك عنصرية خالصة وبالتالي يُعاقب عليها القانون، لكن إن أبقيت العنوان كما هو، فهل يجوز للإنسان أن يكره الجنس البشري، أو حتى فئة منه؟ هل يُسمح لكِ كامرأة، مثلًا، أن تكرهي النساء؟ وهل يجوز لكِ أن تكرهي الرجال في المطلق؟

في يوم ما كانت كلمة “مثلية” مرادفة لدى كثير من الناس لكلمة “كارهة الإنسان”، فامرأة لا تحتاج إلى رجل في الحب، يجب أن تكره الرجال. بولين هارمانج، وهي ليست مثلية، تقول بقوة إن للمرأة الحق في احتقار الرجل. أستخدم هنا كلمة “بقوة”، لكن الكاتبة في الحقيقة ليست قوية، تدون الكاتبة البالغة من العمر 25 عامًا كتاباتها في زاوية نائية على الإنترنت، كما لو أنها تخبز كعكًا، لديها قطط ومتزوجة من رجل، ومع ذلك تكتب أن لديها أسبابًا وجيهة لكراهية الرجال.

دفّة الحديث
يتعلق الأمر بالطبع بلعبة الدجاجة والبيضة؛ ما الذي أتى أولًا، كراهية النساء أم كراهية الرجال؟ نحن جميعًا بيض جئنا من الدجاجة ذاتها، لكن الدجاج بيولوجيًا أنثوي. ينشأ الخلاف بسبب هذا الاختلاف البيولوجي على وجه التحديد، سيكون المجتمع الأبوي وسيلة الرجال لاكتشاف أنهم غير قادرين على الإنجاب والولادة بأنفسهم، علينا جميعًا أن نظهر معارضتنا بطريقة ما، سواء كنّا أمهات مناضلات في البيوت أو رجال ضخام خارجها، وبهذا المعنى فإن الرجال والنساء جميعًا ضحايا للبيولوجيا وحاجتنا جميعًا إلى مكان تحت الشمس، تم تضخيم عدد من الاختلافات البيولوجية وتشكيلها اجتماعيًا ومجتمعيًا لعدة قرون، وغالبًا تحت نظرة الله الراضية، فالنساء مجرد أجساد والرجال عقول بحسب الكتاب المقدّس، يقول الرسول بولس في العهد الجديد أن النساء في الكنيسة يجب أن يصمتن، فهن يعتمدن على الرجال، في دور سلبي ومرؤوس.
في كتابه “عقدة الجنس: تفكيك إرثنا البطريركي – The Gender Knot: Unraveling our Patriarchal Legacy” يوضّح عالم الاجتماع الأميركي آلان ج. جونسون أن كراهية الرجال وكراهية النساء ليستا مجرد نظير أحدهما للأخرى، بالنظر إلى واقع اضطهاد المرأة وامتياز الرجل، فليس من المستغرب على الإطلاق أن تمر كل امرأة بلحظات تحتقر فيها الرجال أو حتى تكرههم. يقول أيضًا إنه لا يجب الخلط بين الرجال كأفراد و”الرجال” بوصفهم فئة مهيمنة ومتميزة من الناس. في كتابها تتساءل هارمانج كيف يمكن للنساء أن يثقن بالرجال كفئة، بناءً على قرون من الاضطهاد والقهر؟ تعمل هارمانج في مركز لضحايا العنف الجنسي والمنزلي، حيث تشير الإحصائيات إلى أن 96% من مرتكبي العنف الأسري في فرنسا كانوا رجالًا (دراسة 2018)، و99% من مرتكبي العنف الجنسي المدانين كانوا رجالًا أيضًا. من المؤلم فعلًا أن مستشار تكافؤ الفرص الفرنسي زورميلي يفضل توجيه سهامه إلى كتاب نسوي بدلًا من فعل شيء حيال العنف “الجنسي” الفعلي ضد المرأة. إنه يعمل ضد الأعراض وبالتالي يزيد من عدم المساواة التي من المفترض أن يحاربها.
يستغرق القضاء على عدم المساواة وقتًا وقوانين وتغييرًا في العقلية. فكِّر فقط في الحق في التصويت للمرأة (في بلجيكا منذ عام 1948)، والحق في فتح حساب مصرفي خاص بها دون الحصول على موافقة الزوج (منذ 1976)، أو حتى الحق في عبور الطريق، كنت للتو أسير مسرعة على أحد الأرصفة، بعد تحرش طويل من أحد الرجال تركني أعبر الطريق وهو يصيح: “العاهرات يجب أن يقلن شكرًا”، حتى بعد أن ابتعدت إلى شارع آخر كنت لا أزال في حيرة من أمري ولا أستطيع الرد: هل قلت له “شكرًا” حين سمح لي بعبور الطريق؟ هل كنت صامتة؟ لماذا اعتبرني عاهرة؟ هل كان صمتي بسبب الحيرة أم الخوف أم الجهل، كان الصمت هو الخيار الأكثر أمانًا للمرأة لأزمان طويلة. الغناء بصوت منخفض كان أيضًا طريقة آمنة في الرد، أما الأنين فهو الخيار المزعج، والفكاهة السخيفة تتطلب على الأقل نكاتًا متحيزة جنسيًا. الغضب أم الاحتجاج؟
أشارت الفيلسوفة الأسترالية كيت مان إلى أن الغضب هو الفلينة التي تطير من عنق الزجاجة، لذلك كان الغضب وسيلة الاتصال القاصرة على الرجال لفترة طويلة، لكن انظر، يمكن للنساء أيضًا أن يستطعن الرد، من خلال أخذ دفة الحديث وشرح شيء ما. لأنه لا يوجد شيء بديهي وليس هناك شيء يستطيع شرح ذاته، عليك السماح بتبادل دفة الحديث، دعها فقط تنتقل من يد إلى أخرى.

الرجل يشرح للمرأة
من منا لم يختبر بعد أحدًا يشرح للمرأة، ربما برسم مصاحب، ما تعرفه بالفعل؟ كان هذا الشخص عادة رجلًا عبر التاريخ، شخص ما يريد أن يكون امرأة من وقت إلى آخر، منذ أن نشرت ريبيكا سولنيت كتاب مقالاتها الشهير “الرجال يشرحون لي أشياء – Men explaining things to me” عام 2008، كان بإمكانها الاعتماد على الكثير من التقدير بين النساء، هكذا تروي سولنيت كيف أخذ أحد الرجال يشرح لها بالتفصيل الكتاب الذي كتبته سولنيت بنفسها، في حالة “نموذجية للتعبير عن النفس” على حد تعبيرها، وهو موقف جديد غير معلن عنه ولكنه حقيقي للغاية، كان ذات يوم واضحًا في الاتصال الاجتماعي بين الرجال والنساء؛ ما جعل فيرجينيا وولف تقول هي الأخرى ذات يوم: “في أغلب الحالات التاريخية، كانت وراء كلمة “كاتب مجهول – Anonymous” امرأة دائمًا”، ذلك لأن العديد من النساء لم يستطعن تقديم ما لديهن من إبداع إلا بالاختباء خلف كلمة “كاتب مجهول”، أو تحت اسم مستعار لذكر، كان من الضروري التخلي عن جزء من هويتك كامرأة إذا أردت أخذ الكلمة (إلا إذا كنت صوفيًا من القرون الوسطى وبالتالي لسان حال الله)!
هكذا تتم الإشادة بكاتب ذكر حائز على جوائز مثل ميشيل هولبيك لجرأته، وجزئيًا بسبب تصريحاته المعادية للمرأة، بل لاستخدامه كراهيته للنساء كأداة كتعبير عن الصورة الأشمل للعالم الذكوري، فكتبه معادية للمرأة وظيفيًا، بالضبط كما تجد في الأفلام امرأة عارية دائمًا. كتبت الفرنسية فيرجيني ديسبينته بشكل سلبي عن الامتيازات الجنسية الواضحة للرجال فتعرضت لانتقادات في معظم المراجعات النقدية عن كتبها بالطبع، فهي مؤكد لديها مشكلة ومؤكد أن شخصيتها معقدة، بل قالوا إنها تكتب ضد الرجال لتسوية حساب شخصي أو للتعامل مع صدمة، وهي مريضة وغير مؤهلة لأن تصدق، والمصداقية هي بالتحديد شرط مسبق لعمل روائي ناجح!

ترتبط المصداقية بمجموعة كاملة من التوقعات الضمنية عن المجتمع، وعندما كتب ج. م. كويتزي الحائز على جائزة نوبل روايته المعروفة “خزي”، حيث يقوم أستاذ جامعي مثقف بإغراء طالباته للنوم معه، كانت صورة الأستاذ تلك متوافقة مع بعض التوقعات. أما في منطقتنا اللغوية فالأمر غير ذلك، فحين كتبت البلجيكية كريستين هيمريشتس روايتها “كل شيء يتغير” قالبة الأدوار، حيث البطل الرئيس امرأة تعمل أستاذة جامعية، وتحاول اصطياد فرائسها من طلابها، وجدوا أنه من غير المعقول أن تذهب امرأة، وأم فوق ذلك، لاصطياد الرجال، لأن في ذلك أمر فاضح للغاية. يُطرح على الرجل بصفته الجاني وربما المعتدي أيضًا أسئلة أقل من المرأة التي تمارس الاعتداء الجنسي، لأنه يجب أن يكون لديها أسباب واضحة جدًا للقيام بذلك، ومن ثم يتم إعطاؤها إطارًا نفسيًا إضافيًا، وإلا أصبحت القصة بشعة وغير قابلة للتصديق، فالمرأة التي تقوم بقتل رجل يجب أن يكون لديها ما يبرر ذلك. وسيكمن تفسير سلوكها دائمًا في كونها ضحية شخصية للغاية، أما الرجل الذي يقتل فهو جندي، أو بطل، أو ببساطة شخص متوحش بطبيعته. كل ذلك يؤكد الدور الذكوري.

الخبر السار هو أن الأدب المعاصر يشكك في هذه التأويلات كثيرًا. لذا تأتي التبريرات من قبل الأطباء النفسانيين وحدهم، ربما تكون هناك أنواع معينة أكثر ملاءمة من الروايات التقليدية ذات الشخصيات التي تكسر الأدوار لاختراق الصور السائدة عن الذكر والأنثى. في نوع الأدب الذاتي على سبيل المثال، يمكن للمرأة أن تجعل تجاربها وأصواتها لها صدى وتتساءل عن التوقعات. الكتاب المعاصرون، من راشيل كوسك إلى آرييل ليفي، يقدمون ما يشبه الديستوبيا، وهي طريقة لدراسة الحاضر من خلال عدسة المستقبل، في رؤية رهيبة للمستقبل. متسائلات: ماذا يعني أن تكون امرأة؟
تم الاهتمام برواية “حكاية الخادمة – The Handmaid’s Tale” لـ مرغريت أتوود التي نُشرت عام 1984 في جميع أنحاء العالم بعد ثلاثين عامًا، وأصبحت سائدة بفضل مسلسل تلفزيوني ناجح. يتم الترحيب الآن بأتوود باعتبارها العرابة لـ “ديستوبيا النسوية” بينما كانت لا تزال تسمى “النسوية الغاضبة” عند النشر. الأسئلة التي طرحتها آنذاك حول الاضطهاد والقهر وسلطة التكاثر، وبالتالي حول المستقبل، هي الآن موضوعية للغاية.

قوامة النساء

كنص نثر تأملي، فإن المقالة هي طريقة أكثر وضوحًا للتفكير. بعد أكثر من أربعة قرون من مقال ميشيل دي مونتين الأول، كتبت سيمون دي بوفوار كتابها “الجنس الثاني Le deuxième sexe” في عام 1949. ولعدة قرون، كان صنف المقال حكرًا على الكتاب الذكور الذين لديهم سلطة التحدث. من خلال مقالها الرائد، أرسلت دي بوفوار موجات صدمة في جميع أنحاء العالم وجلبت النسوية إلى فرنسا. كانت وجهة نظرها الرئيسية هي أن النساء يتم تعريفهن فيما يتعلق بالرجال وليس بأنفسهن. نحن لم نولد كنساء، لكن المجتمع يؤطرنا كنساء. ليس من قبيل المصادفة أن يظهر كتاب هارمانج، مثل موجة في خضم حركة نقدية، في فرنسا، أرض المتحررين والمثقفين ذوي المعايير المزدوجة. لكن فرنسا لديها أيضًا معدلات عالية بشكل مذهل من العنف المنزلي وقتل الإناث. الآن يتم نشر كتاب عن كراهية الذكور يضع إصبعًا على جرح مؤلم.
في كتابها “الحياة المادية – La Vie Matérielle“، والصادر عام 1987، لاحظت مارغريت دوراس أن علينا: “أن نحب الرجال كثيرًا جدًا، جدًا جدًا، أن نحبهم كثيرًا حتى نستطيع البقاء معهم. بدون ذلك لا يمكن أن نتحملهم”. إنها تعني أنه يجب أن تكون لديك، كامرأة، دوافع عالية بالفعل وأسبابك الخاصة لاختيار رجل. في كتابها الجديد “أنا أكره الرجال”، تكتب هارمانج في عام 2020، وهي لا تدعو إلى الكراهية أو القتل أو العنف. لكنها بالأخص تريد التحدث عن كيف يمكن للمرأة أن تختار أن تكون “بمفردها، بدلًا من أن تكون في صحبة سيئة”. في تقليد دي بوفوار، تنفصل هارمانج عن مجموعة الرجال الذين يريدون تحديد هويتها. سوف تفعل ذلك بنفسها. وإن لم يبدو الأمر كشيء متسخ تتقزز منه، فسوف أطلق عليه اسم “قوامة النساء – womansplaining“، تشرح من خلاله ما يجب أن يعرفه الجميع بالفعل. لأنه واضح جدًا، لكن ما زال يحتاج إلى بعض التفسير، على ما يبدو.
يعلم الجميع أننا بحاجة إلى الأخوة، إلى مجتمع تشعر فيه النساء بالأمان، كمحبات لبعضهن البعض أو للآخرين، كمارة في الشارع، وحيث يمكنهن أيضًا خبز الكعك ورعاية القطط الأليفة والزواج من رجل يحببنه كثيرًا ليتمسكن به.

*العربي الجديد

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here