حوار: مهاب نصر
تواجه دور النشر العربية ومكتباتها الكثير من التحديات في عالمنا العربي؛ سواء بسبب مشكلات التوزيع أو بسبب الرقابة المتفاوتة في شدتها ودواعيها بين كل دولة وأخرى، إضافة إلى مشكلات قرصنة الكتب المهددة لحقوق الناشر والمؤلف معا. في حواره مع القبس أكد محمد العتابي مدير دار «تكوين» للنشر، التي تأسست في العام 2017، أهمية أن يكون للدار هويتها الخاصة التي تحددها من خلال برنامج خاص لإصداراتها، كما تعرّض لما عانته الدار، كمثيلاتها، بسبب الإغلاق مع أزمة «كورونا»، والأثر السلبي لإرجاء معارض الكتب خلال هذا العام. ● كيف تحقق دار النشر خصوصيتها وهويتها المميزة؟ ـ كانت الفكرة في «تكوين» أن تكون الإصدارات متنوعة ولكن مع التركيز على الأدب والفكر. هكذا قمنا بتقسيم إصداراتنا إلى أربعة أقسام: سلسلة مرايا للسرد والسيرة الذاتية، نبوءات.. التي تختص بالشعر والنصوص المفتوحة، تساؤلات.. المعنية بالفكر والفلسفة والميثولوجيا، وسلسلة الكتابة عن الكتابة التي تهتم بآليات الكتابة ذاتها وشؤون القراءة الإبداعية. أما فيما يتعلق بتحقيق الخصوصية من خلال المكتبة، فقد كانت الفكرة هي الانتقال بالمكتبة من منطق البيع فقط إلى تحقيق دور ثقافي شامل من خلال الندوات والورش والأنشطة التطوعية. نريد أن نغير الصورة النمطية التي ترى أن المثقف يعيش في برج عاجي، وأن تشكّل المكتبة «حالة» ثقافية، مع الانتقال بالقراءة من اعتبارها ترفاً إلى اعتمادها ممارسة يومية. صناعة صعبة ● كيف يبدو التعاون مع دور أخرى عن طريق النشر المشترك؟ وإلى أي مدى يكسر هذا التعاون عزلة الكتاب؟ ـ نحن في «تكوين» نعتز بشراكتنا مع دار أخرى هي «الرافدين». الشراكة بذاتها تدعم الكتاب خاصة في عالمنا العربي الذي يواجه فيه الكتاب الكثير من المشكلات. تسمح الشراكة بفرصة أكبر للتوزيع، وتتجاوز بعض عقبات النشر. ● نسمع عن توصيات كثيرة لتذليل عقبات النشر والتوزيع وحقوق الملكية من قبل اتحادات الناشرين.. فهل لهذه الاتحادات فاعلية حقيقية؟ وما المطلوب منها؟ ـ اتحادات النشر لديها ما تقوم به بشكل إيجابي وإن كنا نحتاج إلى جهد أكبر، خاصة أن هناك ظروفا للنشر تختلف بين كل دولة وأخرى. وبشكل عام فإن هذه الصناعة تجد الكثير من الصعوبات في محيطنا العربي. ضربة كبرى ● كورونا والحظر الطويل.. كيف أثرا على سوق الكتاب؟ وهل كانت ثمة بدائل؟ ـ كان وباء «كورونا» ضربة كبرى مؤثرة وعميقة. وبالرغم من أن بعض المكتبات تمكنت من العمل من خلال خدمات التوصيل، وإقبال الناس على القراءة خلال الفترات الأولى من الحجر، إلا أن ذلك لم يكن معوضا بشكل كافٍ. عدم وجود معارض الكتب، باستثناء معرض الشارقة، كان أثره سلبيا، وربما تكون المعارض المحلية جزءا من الحل الآن. ● يشكو الكتّاب من إجحاف دور النشر بينما تشكو الدور من سوء التوزيع وحركة البيع في عالمنا العربي، أين تكمن المشكلة فعلا؟ ـ بعض دور النشر تتحمل تبعة هذا «الإجحاف» ووزره لأنها لا تهتم بأن يصدر الكتاب عبر شبكة توزيع ملائمة. كما ان للمشكلة جانبا آخر، حيث إن بعض المكتبات تقتصر مشترياتها على الأسماء الكبيرة أو الرائجة في عالم النشر. وأعتقد أن على الكتاب أن يدركوا أحيانا أن موضوع النشر ليس بالسهولة التي يتصورونها. أرق مزمن ● الرقابة، ذلك الأرق المزمن ـ كيف تواجهون اشكالاتها؟ وإلى أي مدى تعد التعديلات الاخيرة على قانونها إيجابية أو سلبية؟ ـ حتى لو لم توجد الرقابة فإن أثرها يبقى طويلا في الوعي. هناك إشكالات تتعلق أيضا بعدم وجود معايير ثابتة، فما يفسح في بلد قد يكون ممنوعا في بلد آخر، وهذا يمثل مشكلة للناشر والموزع. ● هل ترى أن دور النشر في حاجة إلى الدعم المالي من الحكومات؟ – لا أفضل الدعم المالي من قبل الحكومات لأنه قد يؤدي إلى نوع من التبعية.. لكن هذا لا يمنع أن يكون لكل دار أو مؤسسة ظروفها وشروطها الخاصة التي تسمح بذلك. بالنسبة إلى «تكوين» نحن لا نحبذ ذلك. لكن هذا الأمر يختلف عن دعم ورعاية الأنشطة الثقافية الذي يمكن أن يكون إيجابيا. حراس الثقافة! ● كيف تتعاطون مع مشكلة قرصنة الكتب.. التي يتعلل مرتكبوها بارتفاع سعر الكتاب؟ ـ قرصنة الكتب من أكبر المشكلات التي تواجهنا. يعتقد البعض ممن يعدون أنفسهم «حراس» الكتب أو «روبن هود» الثقافة أنهم يقومون بعمل ثوري من خلال القرصنة لإتاحة الثقافة للجميع. لكن الذي يحدث فعليا شيء آخر. فالقرصنة إذا سارت بشكل متصاعد وممنهج لن تمكّن دور النشر من الوفاء بتكاليفها، وستضطر هذه الدور إلى تخفيض عدد إصداراتها، ولن تعطي للمؤلف إلا مقابلا زهيدا، وقد يتخلى بعض المترجمين عن مهنتهم أصلا. وتدريجيا لن يجد «حراس» الثقافة مادة ليقرصنوها، حيث يتوقف إصدار الكتب على المدى البعيد.
*القبس