كتاب “وحوي يا وحوي” والتفكير بالطقوس كمادة معرفية

0

يأتي شهر رمضان الكريم بوصفه إطاراً طقوسياً وشعائرياً بجملة كبيرة من التفاصيل، يحتاج المرء لأن يستذكرها ويدقق في محتواها، طالما أن السياق الديني هنا يتمدد في كل الاتجاهات ليصبح مسألة ثقافية، تحتوي مجموعة من الخطابات الثرية.

قليلة هي الدراسات التي حاولت النظر إلى الحالة الرمضانية بوصفها بيئة مولدة للمعرفة، إذا كان التفكير بالجوانب الدينية الأساسية وكذلك ما يترتب عن الصيام من نتائج صحية، والطبخ والنفخ هو ما يطغى على كل ما يكتب، هنا وهناك، وقد يكون من الضروري التنبه إلى وجود ثغرة وربما يمكن القول فجوة، في حقل الأبحاث التي تدقق في المنتجات الثقافية المتراكمة منذ مئات السنين،  فتحاول تفكيكها إلى عناصرها الأولى، وتربط بينها وبين تحولاتها مع مرور الزمن.

في هذه الزاوية يأتي كتاب “وحوي يا وحوي، نوستالجيا الأغاني والسهر في رمضان” لمؤلفه د. أسامة القفاش، ليحاول ما أمكن تبسيط أدوات التحليل، من أجل دفع القارئ العادي لأن يدقق بما يفعله أو يحيط به، ويتلقاه كإرث أو طقوس مسلم بها، وفي سبيل هذا، سيكون من الأنسب لصاحب القراءة وللمتلقي أن يشتركا في موضوع ممتع وجذّاب، ولعل الأغنيات الرمضانية الشعبية هي جزء من المبهج، المتفق عليه، والذي تشكل قراءته بؤرة مثيرة للقارئ.

الاجتهاد في تحليل الأغنيات، لا يكتفي بحسب أسلوب القفاش في النظر بمحتواها اللغوي أو الموسيقي، فهذا شأن له أصحابه الذين يهتمون به، ولكنه حين يتوسع ليصبح دراسة للبيئة المجتمعية، وللعوامل المؤثرة في صناعة الثقافة، بما تتضمنه من موسيقا وأغنيات ومسرح وسينما وأدب قبل هذا وذاك، فإن الحمولة تصبح عابرة في الزمن، وفي المسائل الرئيسة التي تحكمت بالعقل المصري وكذلك العربي في القرن العشرين، وأيضاً في وقتنا الحالي طالما أن الناس مازالت تعيش الطقوس ذاتها!

المادة التي يتضمنها صفحات الكتاب المائة، الصادر عن دار المحرر القاهرية، قليلة المفردات، لكنها تؤدي الغرض، لجهة إثارة التفكير، والربط مع كل ما يحيط بها، إذ لا يمكن المرور ببساطة على المفردات المتبدلة لأغنية “وحوي وحوي” الشعبية، دون النظر إلى موقع وسياق التبدل في كل مرة، والتعاطي مع الشخصيات التي قامت بذلك بوصفها فاعلة في وقتها، كما أن النظر إلى الملاحم الشعبية بوصفها مادة سردية مطلوبة ضمن الطقوس الرمضانية، لا يعني تجاهل النظر إلى رغبات الجمهور باستعادتها في زمننا الحالي، رغم تنامي ثقافة الترفيه وأدواتها، على أنه أمر مسلم به، وينطبق الأمر على حضور المداحين في عالمنا، وبقاء نتاجهم متداولاً. كما أن حمولة الطقوس التي تحتوي فضاء اللعب الطفولي، الذي يثير نداوة الذاكرة، لا يعني أن يتجاهل القارئ أو المستمع الجغرافية السلطوية التي تجعل من أغنية “يا ليلة العيد” لكوكب الشرق أم كلثوم، نصاً معرفياً، قابل للتفكيك إلى مستويين متلازمين، الأول وهو يخص المنتج الفني، والثاني يخص تداوليته، التي تقوده لأن يصبح مادة سلطوية.

كتاب “وحوي وحوي” مادة لطيفة وسهلة، يستحقها القارئ، طالما أنها ستجلب له متعة التفكير، على هامش المتعة الباقية.

*وحوي يا وحوي، نوستالجيا الأغاني والسهر في رمضان

د. أسامة القفاش

105 صفحة من القطع المتوسط

دار المحرر- القاهرة

خاص بالموقع