علي سفر: فتى المعلوماتية والرياضيات.. عائلة الأسد تجاوزت التفوق وتميّزت

0

بعيداً من الحاجة لتفسير معنى أطروحة الماجستير التي قدمها الطالب حافظ بشار الأسد في مجال نظرية الأعداد، والتي تحمل عنوان: “تمثيل الأعداد الصحيحة بصيغة مجموع قيم كثير حدود من الدرجة الثانية عند أعداد صحيحة”، لن يتغير شيء بالنسبة للسوريين في الداخل والخارج، إذ  سيبقون عند حدود الفاقة والعوز، غارقين في مآسيهم اليومية. فيظهر في مرئية منتشرة –كمثال- مؤيد مُقعد كان قد قاتل سابقاً في صفوف جيش الأسد في حربه ضد شعبه وأصيب فيها، ليعلن أنه قد خُدع في التعويضات المقررة له، وأنه قد تم التغرير به من قبل مؤسسة “جريح وطن” التي تشرف عليها أسماء الأسد.

وفي الجهة الأخرى، سيعلو دأب معارضين –كمثال أيضاً- في السعي إلى محاصرة نتائج التطبيع العربي مع النظام الجاثم على قلوب السوريين عبر تحفيز دول العالم على فعل ما هو مطلوب من أجل إنهاء الكابوس المستمر منذ عقود، بالتوازي مع كثافة أخبار موت سوريين آخرين غرقاً في غير مكان حول العالم، وسط توقعات بزيادة تعرضهم لجرعات العنصرية في غير بلد أيضاً!

التطبيل الذي حدث لإنجاز فتى الرياضيات من خلال إعلام النظام، يدفع المتابعين لاستعادة تاريخ العائلة ذاتها، ولهاثها الدائم نحو المكانة العليا في كل شيء. فقد كانت للجد، أي حافظ الأسد الأب، صولات وجولات وألقاباً وأوسمة لفظية على هذا الصعيد، صنعها له جيش جرار من حاشيته التي اعتاشت على النفخ في شخصيته من أجل تسويقها، وإحلالها محل شخصية الديكتاتور. وعلى أيدي هؤلاء، صار الرجل الأول في كل مجالات الحياة: المعلم الأول، الرياضي الأول، المحامي الأول، الطبيب الأول، المقاتل الأول..إلخ.

لكن سياق البلاغة، بكل ما يحتويه من أنواع المجازات، لن يكون كافياً لإطعام وحش الكذب الذي يغلف لا إنسانية التحكم والسيطرة المشغولَين بالقمع والدم والإرهاب، ولهذا سيبحث الأسد الابن عن المختلف في صياغة شخصيته عبر الإعلام ذاته، وعبر وسائل عابرة للحدود تقبل الرشى، من قبل شركات العلاقات العامة، لتشارك في صياغة القصة. هكذا، سيظهر فتى المعلوماتية قبل توليه الحكم خلفاً لوالده، نشيطاً، رياضياً، مثقفاً؛ يحضر المحاضرات الثقافية، ويتابع شؤون الجمعية المعلوماتية السورية التي تولى رئاستها خلفاً لأخيه الراحل باسل.

وبعد أبيه، قد تكرسه صحف وقنوات عالمية على أنه وجه مستقبل البلاد المشرق، وسيكون من الضروري أن يمتلك شريكة ترافقه المسيرة، وستحل “إيما” البريطانية أي أسماء الأخرس في الصورة، وستُمنح ألقاباً ليست مفصلة لها بذاتها، بل لأي شخصية كان يمكن أن تحل في المكان ذاته، وذلك لأن الإستراتيجية التسويقية توضع بمعزل عن الأفراد.

لكن، ما نفع هذا كله أمام وقائع صادمة يتسبب فيها النظام حين يكشف عن وجهه وتكوينه وبنيته وطبيعة سياسته؟ كيف يمكن إصلاح العطب الجوهري بعدما ظهر أمام العالم كله، بعد العام 2011؟ ومن أين سيأتي صنّاع التزويق بأحبار وألوان لا تزول، بسبب ضوء الحقيقة؟

سيخرج أحد المشتغلين لصالح صورة العائلة، بالحل السحري: إذا كانت ثيمة القوة وكذلك ثيمة العصرية فقدتا التأثير، فإن الأنسنة ثيمة غير قابلة لأن تفسد، ويمكن استخدامها لتوليد صياغات لا متناهية لإظهار أفراد العائلة بالشكل الأمثل.

كان الصغار من هؤلاء غير منظورين في السابق، أو لعلهم مجرد إكسسورات يتم استخدامها من أجل إبراز الأبوين. فيظهر بشار الأسد وهم يلاعبهم راكباً على دراجة، وتظهر أسماء الأخرس وهي تذهب بهم إلى مدارسهم. لكن يمكن الآن جعلهم أداة للتأثير في عواطف الجمهور، فهؤلاء أطفال يحتاجون للأب والأم، فيظهر بعضهم ليتحدث عن أبيهم، الرجل البسيط، وأمهم الحنونة، وفي وقت ما سينقل المشرفون العملية إلى مستوى متقدم: المرض وتأثيره فيهم لجهة احتمال فقدان الولد لأحد والديه، وسرعان ما تمرض أم حافظ مرضاً مريعاً، ثم تُشفى، وبعد هذه المأساة التي ووجهت بالعزيمة والإصرار، بحسب تعابير المرأة ذاتها، ستظهر على التوالي صور للأطفال الذين صاروا مراهقين، وهم يخوضون تكتيكات إعلامية مختلفة.

لا يمكن اعتبار فشل حافظ بشار الأسد في الأولمبياد العالمي للرياضيات خسارة مربكة، بل هو جزء من السياق الذي يتبع الجوهر ذاته، أي الأنسنة، لكن لا مجال لتكرار الكبوات. فهي، إذا حدثت، فإن مفاعيلها ستكون سلبية على الصورة العامة للشخصية، إنه يخسر، لكنه ينجح في تجاوز الأمر. لهذان فإن نتيجته في العام 2018 ستختلف عن العام السابق، إذ حل في المركز الرقم 486 في رومانيا، بينما كان في المركز 528 في ريو دي جانيرو بالبرازيل.

وضمن هذا الأفق، ظهر الفتى قبل أيام برفقة أمه في موسكو، وظهر في فيديو وهو يتحدث في الجامعة التي منحته الماجستير، بأسلوب أبيه وأمه حين يشرحان فلسفتهما الخاصة، في نقض المفهوم من خلال الزيادة فيه وعليه. وبحسب السيدة السورية الأولى فإن “المتفوق هو مواطن فاعل، مُنتج، حريص على عِلمه.. أما المتميّز فهو ذلك المتفوق، لكن الأكثر قدرةً على التطوير والابتكار، وإيجاد الحلول لمشاكل مجتمعهِ”. وفي ترجمة هذا الشرح، سيكون على مؤيدي النظام، قبل معارضيه، فهم المعادلة التي لا يمكنهم بلوغها، فأنت تستطيع أن تكون متفوقاً، لكنك لن تكون متميزاً أبداً! فالتميز محصور في من يستطيع التطوير والابتكار وإيجاد الحلول لمشاكل المجتمع، أي في أفراد العائلة الوحيدة التي تستطيع فعل هذا، عائلة الأسد.

السوريون المعارضون، فهموا ومنذ زمن طويل أن ضرورات البحث عن النجاة تقتضي أن يذهبوا بأولادهم إلى بلاد أخرى، من أجل أن يحافظوا على حيواتهم، وأن يناضلوا من أجل ألا يفقد صغارهم فرصهم في التعلم. الفاقد التعليمي، الناتج عن الحرب الأسدية على السوريين، هائل إلى درجة غير قابلة للتوصيف، ويمكن التوقف عند مئات الآلاف من الأطفال ربما لم يجدوا مدارس تأويهم، واضطرارهم للعمل من أجل إعالة عائلاتهم. ويمكن على هامش هذا، الحديث أيضاً عن الطلاب الذين ضيعوا سنوات من أعمارهم الدراسية بسبب تغير أنظمة التعليم واضطرارهم إلى تعلّم لغات البلدان التي حلوا فيها، من أجل أن يلتحقوا بمدارسها.

وبالمقارنة مع حال الأسديين، يرى المدققون كيف تُسوّق قدرة الأسد الحفيد على التميز في هضم السنوات، كعبقري يتجاوز العوائق التعليمية والإدارية، بما يجعله يحلّق فوق مستوى مؤيدي النظام أنفسهم.

أحد هؤلاء وهو ضابط سابق من المصابين في معارك الجيش ضد المسلحين، لم يفهم السبب الذي يدفع حكومة النظام إلى إلغاء بعثة ابنه الدراسية، رغم تفوقه مع أقرانه. وكانت لافتة في سياق حديثه إشارته إلى أن القضية عندما تصل إلى مستوى حاجيات الأبناء الدراسية ومستقبلهم، تصبح فوق الحد القابل للاحتمال، ما يدفعه الآن للحكي عن الموضوع، لكن بمواربة ومن دون تصريح، وبدلاً من أن يخاطب الأسد، وجّه كلامه للوطن.

*المدن