ذاتَ لقاءٍ في الرّقة

0

أحمد المديني، كاتب قاص وروائي وناقد من المغرب

أوراق 19- 20

الملف

جرى هذا على ما أذكر في نهاية سنة 2010. مؤكدٌ أني ذهبت إلى (الرّقة) قبل الأحداث الأليمة التي ألمّت بسوريا، من توابعها الهمجيةُ الداعشيةُ التي حملت لها الدمار وشرّدت أهل المدينة التي ذهبت إليها لحضور مهرجان يقام لذكرى أديبها الروائي والقاص القدير عبد السلام العجيلي. أتاحت لي هذه المناسبة أولا مشاهدة منطقة عربية سمعت عنها كثيرا وتخيلتها بحنوّ وأنا أقرأ أخبار واشعار من مروا وحلوا ب(الجزيرة). ثانيا، غنِمت التعرفَ على أدباءَ عربٍ جدُدٍ أذكر منهم عمّار أحمد (المرواتي) من العراق، ومَي خالد من مصر، وعلي بدر من العراق؛ ثم جددت صلات الوداد بالأديبة الأستاذة شهلا العجيلي سليلة العمّ المحتفى به، وبصديقي الدائم نبيل سليمان أكبر من الألقاب وهو لسوريا قلب وباب، وبرفقتي الأديب التونسي الحبيب السالمي.

أذكر كذلك، أن إقامتنا توزعت بين ندوة دراسية حول قضايا الرواية العربية شاركت فيها بمراجعة منهجية واصطلاحية، والاستماع باهتمام للزملاء والانتباه لجمهور شغوفٍ بالأدب. بينما فزنا في المساء بسهرة بين الطرب وتبادل أطراف الحديث ومجالسة المضياف الكريم المهندس عبد العظيم العجيلي، حسن السّمت على فخامةٍ ولطفٍ، لا تشبع منه مؤانسة ومجالسة.

ولا أنسى زيارتنا لبحيرة الفرات وسد الأسد هذه المعلمة الطبيعية المشيّدة الضخمة، وما حولها من حقول وجنان، وبأهلها من عشائر وسكان ضيّفونا على غداء من ألذ الشواء، وشممنا من أعطافهم إذ أخذونا بالحضن رائحةَ العرب الأصلاء، وغادرناهم هم وأهلُ الرقة الأكابرِ الكرام على موعد آخر للقاء، ولم يدر بخلَد أحد أن الأرض ستهتز شهورا بعد ذلك فقط، وأن تلك الأزقةَ والحاراتِ التي مشيت فيها نشوانَ مأخوذَ العقل والّلب، ودارةَ العجيلي التي زرت مع معالم أخرى، ستطولها معاول الخراب، والغربان سيسفكون الدماء، وسيغطون نهار الرقة بسُجُف الظلام. 

باريس في 28/ 02/ 2023