معاذ اللحام
كاتب وشاعر سوري، صدر له: “واحتفلتّ أخيرا بجرحك” شعر2007. “من أطلق النار أولاً” شعر2008. “على مسافة قبلة” شعر2010. “ستانلس ستيل” شعر2011. “ثلاثية ليست للمتعة” رواية 2016. “ما ينتهي هو ما يبقى” شعر2017. “أزهار الإسفلت” مسرحية 2020.
أوراق- العدد10
أوراق الشعر
1
قاطرةٌ ومقطورةٌ تمرُّ مسرعةً على طريق سريع في حلمِ رجل.
محملةٌ بصناديق مكتوبٌ عليها:
“قصائد –
قابلة للكسر”
الصناديق بلونٍ أزرقَ جنيّ
محيطُ الطريقِ بلونٍ أخضرَ صوفيّ
الطريقُ بلا لون.
2
هذه قصيدةٌ وليست جداراً للملصقات
هذه قصيدةٌ وليست رايةً لمزاجِ الريح
هذه قصيدةٌ وليست تجمعاً لتبادلِ التجاربِ الحزينة
3
رجلٌ يفتحُ حنفيةَ ماءٍ في الشارعِ ويغسلُ وجهَهُ
يُمسّدُ شعرَهُ في زجاجِ السيارة
يبصقُ على الأرضِ، ويمضي.
الريحُ تضحكُ
” انظروا، إنه يحاولُ اصطيادي”
الرجلُ يواري أفكارَه في صندوقِ السيارة
الرجلُ يبحثُ عن ماءٍ أخيرٍ في صحراءٍ أخيرة
ولا سرابَ يغري بالمضيّ.
بناياتٌ من إسمنتٍ باهت
حنفيةُ ماءٍ كبدايةٍ غيرِ متوقعة
مرآةٌ لا يَرى نفسَهُ فيها عارياً
سمكةٌ يعوزُها هواءُ الماء
امرأةٌ تتركُ يدَها عرضةً لهواءٍ اصطناعيّ
هجومُ أفكار وقد بدأتْ تشعرُ بالحرّ
” حتى الشمس تمارسُ العنف”.
4
الطريقُ يضيّعُ لونَهُ
الرجلُ يفرغُ مثانتَهُ
أنهارٌ حمضيّة بضفافٍ مشقّقة
طحالبُ خضراء من نحاس
أسماكٌ تعاني من الغرقِ وجثثٌ أيضاً.
على الطريق
عيونٌ مجفّفةٌ كفواكهَ صيفيّة شاخصةٌ باتجاهٍ لا ينتمي للجهات
الكلماتُ أشبهُ ما تكونُ بحكمةٍ معدنية
أو صلاةٍ خرساءَ لسماءٍ مصبوبةٍ من رمل
” ماذا لو خُلقنا من الصُلْب! ياااا لصوتِ القبل”
سيكونُ فلماً رائعاً عن البدايةِ النحاسيةِ للشمس
عن الجنةِ بأشجارها الداكنةِ كمقبرةِ سيارات
عن اللعنةِ الرصاصية والفمِ المسنّن لآدم
عن الحوضِ العريضِ، كحوضِ بناءِ السفن، لحواء
فلماً عن البدايةِ الشاقّة لعرقِ الوجه
فلماً طويلاً بموسيقا عالية مثل أبراج الصَهْر
وNo exit بحجمِ فمٍ مهول لنفق.
5
أزهارٌ لاحمةٌ بسيقان شائكةٍ وبتلاتٍ مشقوقة
تشمُّ رائحةَ الدم.
الطريقُ هزيل
الحديقةُ مسجّاة.
هل بدأَ النهارُ
هل انتهتْ البارحة
هل استطالتِ البناياتُ وازدادَ طول الشرفة
سماكةُ السياجِ
نظراتُ الجيران
بعدُ الشمسِ عن الثياب المنشورة
صوتُ النهرِ في الأحشاء
حجمُ الصفرِ في الدماغ!
ثمةَ طريقةٌ جيدةٌ لادّخارِ الأيام:
زهرةُ عباد شمس نفرّغها من البذور.
الحربُ ليستْ بعيدة
الحربُ تحتَ الجلد.
6
NO EXIT
هذا ما تعلّمناهُ من الأفلام.
لا شيءَ سوى جدارٍ يحتوي على فتحةٍ سريّةٍ بلونهِ.
علينا أن نتلمّسَ الحافةَ النافرةَ للوقت،
تلكَ الفجوةَ المرصودةَ بكلمةٍ علينا تركيبُها.
كان الشعرُ، يوماً ما، مفتاحاً سرياً، تميمةً وأصبحَ لعنةً
كانت “الكلمة” هي كلمةُ المرور
لم ندركْ بأنّنا كلما أوغلنا أكثر نغرقُ أكثر
كالشعر نفسهِ
كالمعرفةِ نفسها
كالعزلةِ نفسها.
NO EXIT
هذا ما لم نتعلمْهُ.
7
ليس سمسم
أو علي بابا. ليس هكذا.
هذا كان قديماً
عندما كان السحرُ مازال محتفظاً بسحريتهِ
ولم يتحولْ إلى لعبةٍ إلكترونية،
علينا الآن أن ندقَّ كلمةَ مرورِنا ونعيدَ تأكيدَها.
ربما نضطّرُ إلى فتحِ عيوننا ليروا ما نخبّئُ خلفَ النظرة
ربما يشرّحونَ راحاتِ أيدينا ليكتشفوا أيةَ خريطةٍ تقودُ إلى السرّ
قد يحتاجون إلى عينةٍ من رائحة الكلمات المحملة في صناديق زرقاء في قاطرة ومقطورةٍ تمر مسرعةً في حلم رجل على طريق سريعٍ بلا لون.
الجهة: عصرُ الأشياء الذكية.
“قايضْ روحَكَ بكلمةِ مرور”.
