جهاد عبده: سياسات أميركا تجاه ما يحدث في سورية خيّبت آمالنا

0

جهاد عبده: سياسات أميركا تجاه ما يحدث في سورية خيّبت آمالنا

حوار غسان ناصر

منذ أن غادر بلاده مكرهًا، يعيش الفنان السوري العالمي جهاد عبده، مع زوجته الفنانة التشكيلية فاديا عفاش، في ولاية لوس أنجلوس الأميركية، بعد أن تحول اسمه إلى “جاي أبدو“، منذ أن حصل على عضوية نقابة الفنانين الأميركيين، وطرق أبواب العالمية من البوابة الهوليوودية في وقت قياسي، ووقف أمام كاميرا مخرجين عباقرة أمثال: توني كاي، وتوم تيكوير، وفرنر هرتزوغ، وأمام نجوم عالميين كبار، كـ توم هانكس، ونيكول كيدمان، وفال كيلمر.

النجم السوري العالمي، الذي يستضيفه (مركز حرمون للدراسات المعاصرة) في هذا الحوار، من مواليد دمشق عام 1962، حاصل على دبلوم في الهندسة المدنية من جامعة “كلوج نابوكا” رومانيا عام 1986، ودبلوم في التمثيل المسرحي من معهد الفنون دمشق عام 1991، وهو يجيد العزف على الكمان، كما يجيد الرقص بأنواعه، ويتقن خمس لغات، وكان أن اعترف في أكثر من مناسبة بأنه لم ينل حقه في سورية، حيث للنجاح معاييره الخاصة، وأنه تعرّض لنوع من الاضطهاد الفني، على عكس كثيرين من النجوم الذين عرفوا تمامًا كيف يقيسوا المسافة جيدًا بين النجاح وبين السلطة الأسدية.

بوستر فيلم الإبن البكر للمخرج توني كاي

أضواء هوليوود وعوالم النجومية لم تبعد الفنان السوري المعارض لنظام بشار الأسد عن ثورة شعبه، لا بل زادته تشبثًا بمطالب أحرار وحرائر شعبه الذي انتفض في آذار/ مارس 2011 مطالبًا بالحرية والديمقراطية والكرامة والعدالة الاجتماعية وإسقاط نظام الفساد والاستبداد.

ومع الموجة الثانية من ربيع احتجاجات السوريين السلمية في حزيران/ يونيو 2020، أعلن جهاد عبده موقفه من التظاهرات الأخيرة التي شهدتها مدينة السويداء، مشاركًا في نشر فيديو من تظاهرات أحفاد الزعيم سلطان باشا الأطرش على صفحته الرسمية في موقع “فيسبوك”، معلقًا عليه: “تحية طيبة من القلب لنشامى السويداء.. كلن قشة لفة.. مبارح كان إلهن وبكرا إلنا.. سورية لولادها.. هات إيدك يا سندي”. وأضاف: “نهضت الأناشيد مرة أخرى في مدينة السويداء تطالب بإسقاط النظام السوري، مستشهدة بشعارات من الثورة التي اندلعت في 2011 كالحرية والكرامة وإطلاق سراح المعتقلين”.

شارك جهاد عبده في عشرات الأعمال التلفزيونية والمسرحية والسينمائية السورية، قبل انطلاق الثورة. وكان أن وصل الفيلمان القصيران «رحلة سعيدة» و«الوجهة لمكة – القبلة»، اللذان شارك ببطولتهما إلى جائزة “الأوسكار” العالمية، ونال عن الأخير -من إخراج السويسري جان إيريك ماك- جائزة “الأوسكار المخصصة للطلاب” (2017). ويروي الفيلمان فصولًا من معاناة اللاجئين السوريين، ويهدفان إلى إيصال صوتهم غير المسموع في عالم أدار ظهره لثورة ملايين من المضطهدين السوريين من قبل نظام بعثي شمولي مارس بحق أطفال ونساء وصبايا وشباب ورجال سورية أبشع صنوف القتل والتعذيب والدمار والخراب.

لقطة من فيلم رحلة سعيدة

ويُعد فيلم «الجيران» (إنتاج سويسري وقناة art الفرنسية الألمانية)، من تأليف وإخراج الكردي السوري مانو خليل، الذي انتهى من تصويره، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019، في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، والذي يتحدث عن سورية، بكل مكوناتها وأديانها وطوائفها، في حقبة ثمانينيات القرن العشرين، آخر أفلامه السينمائية، وقد حدّثنا عنه في هذا الحوار.

  • خرجتَ من دمشق بعد اندلاع الثورة السورية لتنضم إلى نقابة الفنانين الأميركيين، ومن ثم شاركت في التمثيل في هوليوود وبدأت تؤدي أدوارًا رئيسية إلى جانب نجوم عالميين. كيف تنظر الآن إلى مشوارك الفني؟ وما هي أبرز المحطات التي صنعت منك النجم العالمي جهاد عبده؟

منذ نعومة أظفاري، أنا شغوف بالمعرفة. وهذا ما دفعني إلى تعلم كثير من الأشياء مثل الموسيقى، اللغات، الرياضة، الرقص.. إلخ. وبالرغم من بعض الاستهزاء من بعض الناس حولي، لم أكترث وثابرت على التعلم بكل سرور، لأنني أؤمن بأن تطوير الذات واكتساب المهارات هي طرق النجاح. وفعلًا جاء الوقت الذي سخّرت فيه إمكاناتي ومعرفتي وموهبتي لأجد نفسي متميزًا. كل الأعمال التي شاركت فيها، سواء أكانت في سورية أو رومانيا أو تركيا، أضافت إلي كثيرًا من الخبرات والمهارات في مهنة التمثيل. مسرحية «سكان الكهف»، مسلسل «نهاية رجل شجاع»، «الطير»، سلسلتي «مرايا»، و«بقعة ضوء»، وغيرها من أعمال درامية وكوميدية. كل هذه الأعمال جعلت مني ممثلًا باحثًا، وكذلك تعلمت كثيرًا من زملاء عملت معهم أو شاهدت نجاحات لهم على المسرح أو على شاشات التلفزيون والسينما. وحين وقفت أمام أكبر نجوم العالم؛ شعرت بالندية أمامهم، وقد لمست تقديرهم لعملي وهذا ما عزز ثقتي بنفسي.

  • بتقديرك، أين هي القضية السورية ومعاناة السواد الأعظم من السوريين من المواضيع التي تعالجها سينما هوليود؟

هوليوود فيها كل شيء. مثل أي وسط فني في العالم. لكن العمل الذي يتطرق لقضايا إنسانية ملحة يحظى بتأييد النقاد لكن مع الأسف لا يحظى بالشعبية التي يستحقها. بكل فخر، حصدت أفلام سورية جوائز مهمة ووصلت إلى سباق “الأوسكار”، وقد شاركت بثلاثة أفلام قصيرة سويسرية وأميركية رُشحت لجائزة “الأوسكار”. وأعدّ هذا وسامًا على صدري، وواجبًا تجاه شعبي وبلدي.

كتابة فيلم سينمائي في ظل الجائحة

  • انتهيتَ في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي من تصوير فيلم «الجيران» للمخرج مانو خليل. ماذا تحدثنا عن هذا العمل؟

يتحدث فيلم «الجيران» عن ثلاث عائلات تسكن بجوار بعضها البعض، في مدينة القامشلي في الشمال الشرقي لسورية. وهو يتطرق إلى مدى الحب والتضحية التي يهديها الجيران لبعضهم البعض، رغم الاختلاف الجذري بينهم، ورغم الرعب الذي كانت تفرضه عليهم دولة (الأسد الأب) الدكتاتورية في ثمانينيات القرن الماضي.

فخور جدًا بهذا الفيلم، لأنه يتطرق إلى فترة مهمة جدًا من تاريخ سورية القريب الذي لا بدّ من سبر أغواره لفهم كيف وصلنا إلى هنا. ولمعرفة من دمّر النسيج الاجتماعي السوري للسيطرة عليه واستعباده، وكيف استخدمت الدكتاتورية سياسة “فرق تسد” بأدواتها القذرة، وبزرع الفتن ونشر الخوف بين السوريين.

  • ما الجديد الذي تستعد له هذه الأيام في رحلتك الهوليوودية، ونحن ما زلنا نعيش في ظل جائحة “كورونا”؟

يتم التحضير الآن لفيلم أميركي جديد عن سورية. وأعكف على إنهاء الصفحات الأخيرة من فيلم سينمائي من تأليفي. لكننا جميعًا معتكفين في منازلنا علّنا نخفف من عبء هذا الوباء، بانتظار لقاح يزيح هذا الجمود حتى نستطيع العودة للعمل.

جهاد عبده مع النجم العالمي توم هانكس
ومع الممثل الأمريكي غاري سينيز
  • دخلت أنت وزوجتك الفنانة التشكيلية فاديا عفاش، في 14 آذار/ مارس 2018، في إضراب عن الطعام تضامنًا مع ما يجري في سورية، مطالبين بوقف القتل وطلب الحماية للمدنيين. اروِ لنا أهم التفاصيل التي مررتما بها في تلك الأيام. وكيف تنظر إلى نتائج ذلك الإضراب اليوم؟

صدقني، إذا قلت لك لم نشعر بالجوع أو التعب، لأننا كنا نفكر في معاناة أهلنا في كل مكان، داخل أو خارج سورية. لكن في الفترة الأخيرة نصحنا الطبيب بالعودة تدريجيًا إلى حياتنا الطبيعية وإنهاء الإضراب خوفًا على صحتنا. كنا في حالة نفسية صعبة، لبُعدنا عن أهلنا ولشعورنا بالعجز تجاه ما يحصل في سورية.

إن السياسات الأميركية خيّبت آمالنا تجاه ما يحدث في سورية، والأمل ضعيف جدًا بأن تغيّر الإدارة الأميركية الآن من سياساتها هذه. فلم يكن أمامنا سوى محاولة لفت نظر الناس للمعاناة والظلم الواقع على السوريين، عبر إضرابنا عن الطعام.

جهاد عبده وزوجته الفنانة فاديا عفاش

أسعى لأكون صوت المخنوقين

  • كان أن شاركتَ في فيلمين قصيرين هما «رحلة سعيدة» و «الوجهة لمكة – القبلة»، تناولا موضوع اللاجئين السوريين، ووصلا إلى جائزة “الأوسكار” العالمية عام 2017، وذلك لإيصال صوت هؤلاء اللاجئين غير المسموع في الولايات المتحدة والبلدان الغربية، التي تتخذ آراء مختلفة حيالهم. برأيك، هل يغيّر الفن شيئًا من المعاناة، بل قل من الجحيم الأرضي، في بلد دُمّر نحو 40 في المئة من بنيته التحتية، إضافة إلى انحدار 86 في المئة من الناس داخل سورية (البالغ عددهم نحو 20 مليونًا) إلى ما دون خط الفقر؟
بوستر فيلم الوجهة لمكة القبلة الحائز على أوسكار الطلاب 2017

بكل تأكيد. وهذا ما يجب أن يعرفه الجميع. فيلم واحد قد يغير سياسة حكومات. وهذا ما تفعله هوليوود منذ البداية إلى اليوم. أنا مؤمن بأن للفن تأثيرًا على الرأي العام، ولذلك تنفق الدول الكثير في محاولة خلق بروباغندا لرسم صورة معينة لها في عقول الناس. ومع الأسف، إن العديد من الفنانين يصبحون جزءًا من هذه البروباغندا وينسون رسالة الفن الحقيقية، وهي النهوض بالمجتمع نحو الأفضل.

كل إنسان من موقعه يتحمّل مسؤولية توجيه المجتمع للأفضل. أنا من خلال موقعي أسعى لأكون صوت المخنوقين، وأتمنى أن أنجح يومًا في تغيير الرأي العام وخلق تعاطف مع المظلومين.

  • تقول إنك تركت سورية كي لا تكون بوقًا للنظام الدكتاتوري، وكي لا تخذل شعبك، وأنك ثائر من قبل انطلاق الثورة السورية، وأنك وقفت إلى جانب أولاد بلدك لنيل حقوقهم في الحرية والديمقراطية والعدالة منذ 30 عامًا. متى كانت أول مواجهة فعلية بينك وبين أجهزة النظام الأمنية؟ وكيف تمكنت من العيش سنوات طويلة، في بلد غيبت فيه الحريات العامة وكممت فيه الأفواه واستشرى الفساد؟

أفضل نضال ضد الطغيان أن لا تكون جزءًا منه، هذه هي المقاومة الحقيقية. مع الأسف، هكذا تسيطر الدكتاتوريات على المجتمع، حيث تقوم بتغيير نظامه الأخلاقي وتجنيد الشعب لقمع بعضه البعض، وتغرقه في بؤرة من الفساد يصعب الخروج منها، إذا لم تقاوم منذ البداية.

كنت أحاول دومًا الابتعاد عن الانزلاق في خندق السلطة، وهذا ما جعلني غير مرغوب به في الفترة الأخيرة. كما حاولت من خلال ظهوري في المقابلات أن أكون صوتًا مختلفًا داعمًا للمرأة وداعيًا للمساواة بين الجنسين. وقد ساعدت من قصدني دون مقابل. ولم أستغل إعجاب السلطة بأعمالي كي أحصل على امتيازات هنا أو هناك.بل كنت أشعر بالخجل من بعض من فعل ذلك! ولا ألومهم، لأن تيار الانزلاق في حفرة الدكتاتورية قوي جدًا.

  • هل صحيح أنك غادرت سورية بعد تهديدات من الأجهزة الأمنية السورية؟ ماذا كانوا يريدون منك تحديدًا، وكيف سُمح لك بمغادرة البلد؟ أو كيف غادرت البلد؟

اتصل بي الأمن مرات عديدة، يسألني أن أقدّم ولائي لـ “سيّد الوطن” كما يسمّونه، ولماذا تقاعستُ عن الظهور على الشاشات لدعمه، ولماذا لم أشارك في المسيرات المؤيدة.. إلخ. إلى أن اتهمتُ علنًا الحكومة الأمنية في دمشق بمقتل وإخفاء وتغييب كثير من الناشطين، وذلك في مقابلة مع صحيفة “لوس أنجلس تايمز”، بعدها اتصل بي أحدهم، وطلب مني أن أظهر فورًا على شاشة الفضائية السورية؛ فأدركت أن الأمر أصبح خطرًا على حياتي. وشعرت بأن دوري قد جاء، من خلال الطريقة التي طلبوا مني فيها أن أذهب إلى التلفزيون لإجراء مقابلة؛ فسافرت إلى القاهرة فورًا، ومن هناك التحقت بزوجتي في أميركا. وتلقّيت بعد ذلك كثيرًا من التهديدات، بالرغم من وجودي خارج سورية.

غياب الإبداع في بلاد القهر

  • على الرغم من أنك لم تكن من وجوه الصف الأول في الساحة الفنية في بلدك، فقد لمع نجمك في هوليوود. هل لأن مشروع الفنان لا يمكن أن ينمو ويترعرع ويستوي على عوده إلا في سياق من الحرية والديمقراطية، أم هناك أسباب أخرى؟

في بلاد القهر، لا يمكن لأي فنان، أو كاتب، أن يلمع نجمه إلا إذا سار مع التيار. وكل من كان له موقف مشرف اضطر إلى المغادرة أو دفع ثمنًا باهظًا..

  • ذكرتَ في حوار سابق أنه عُرِضَ عليك أكثر من مرة العودة إلى دمشق للاستقرار والعمل. من هي الأطراف التي قَدمت لك هذه العروض؟ وهل فكرت يومًا في العودة مع استمرار بشار الأسد في الحكم؟

ليس المهم مَن عرض عليّ العودة، لكن المهم أن الحملات التي شنها النظام، بمساعدة حلفائه، لإعادة اللاجئين باءت جميعها بالفشل. نعم، أتوق إلى العودة، لكن إلى سورية مختلفة ينعم فيها الجميع بالحرية والعدالة الاجتماعية.

  • إذا اتفقنا على مصطلح “دراما المعارضة”، فإن سؤالي هو لماذا لم تستطع هذه الدراما محاكاة وقائع ثورة السوريين، بما يليق بتضحياتهم الجسام؟ هل لغياب نصوص وسيناريوهات قادرة على توثيق ما عايشناه خلال سنوات الجمر؟ أم بسبب تكاليف الإنتاج المرتفعة وقلة الإمكانات المادية؟ أم لعزوف القنوات الفضائية العربية عن دراما الثورة السورية؟ أم هناك أسباب أخرى، برأيك؟

لا توجد محطات جدية راغبة في تمويل أعمال كهذي. المحطات تحكمها حكومات لا ترى ثورتنا مشروعة، وتخاف من عدوى الثورات التي هي قادمة، عاجلًا أم آجلًا.

  • أخيرًا، مع عودة الاحتجاجات الشعبية السلمية في بعض البلدات والمدن السورية المطالبة بإسقاط النظام والإصلاحات، بعد تدهور الاقتصاد السوري. أسألك بأي سورية تحلم؟ أما يزال لديك أملٌ في مستقبل أفضل لبلدنا النازف؟

بالتأكيد، هناك مستقبل. قد يكون بعيد المنال لكنه قادم لا محالة.. النظام متآكل منخور آيل للسقوط في أي لحظة. سورية ستعود كما كانت قبل حكم العسكر، وأتمنى أن أعيش لأرى ذاك اليوم. أدرك أن الطريق طويل، وأن الألم أكبر من أن نحتمله، لكن التاريخ يعلّمنا أن لا شيء يبقى على حاله، والرغبة في الحياة والحرية أكبر من أي دكتاتورية أو مأساة.

عن موقع مركز حرمون للدراسات المعاصرة

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here