موسى رحوم عبَّاس، شاعر سُوري مقيم في السُّويد
مجلة أوراق- العدد16
أوراق الشعر
( 1)
“دعْ قلبك نهراً، لا مقبرة
وتأكد أنَّك تفسح فيه مكاناً يمكنُ أنْ
تنشرَ فيه غسيلَ الشَّوقِ مَسَاءً
وامنحْهُ رَضِياً لامرأةٍ تزرعُ فيه حقول الوَلَهِ
وتشعلُ فيه بخورَ الشَّرقِ
واحذرْ أنْ تتركَهُ كأشواكِ الصَّبَّارِ
حتى لو كانَ العالمُ يحترقُ
فهذا قلبك
دعْهُ يبرعمْ زهرة
واحذر أن تحزنَ في أرضٍ
لا تعرف معنى أن يحزنَ مثلك
أو أن ترسلَ كلَّ أغاني العشقِ
لِمَنْ لا يقرأ شعرك
وباعدْ بين أصابعِ كفيكَ
كيلا تجمعَ دمعك”
( 2 )
هذا ما قالته الرِّيحُ صباحاً لي
وأنا أسألُ:
الذي أقطعُهُ كلَّ مساءٍ
علَّني أرسمُ درباً لصباحاتٍ
جديدة
ثمَّ تأتيهِا السَّوافي بغتةً
لتذروها على وجه المطايا
في ليالي التِّيهِ لا ظلّ يداري حزننا
لا سليمان، ولا هدهده يأتي
ولا طَرْف لنا يَرْتدُّ، لا قبلُ، ولا بعدُ
يبدو أنَّ لوحنا المحفوظ لم يبقَ
له أثرُ
وأنَّ سماءنا تنشقُّ عن قمرٍ مُدمَّى
أو فارسٍ، بل ظلِّه!
أو قاتلٍ، بل نصله!
وأنا مازلتُ أبحثُ في ثنايا الرَّملِ
عن وجهِ القصيدة
أبحثُ عن سليمان الحكايةِ يعبرُ من نواحي القُدسِ
لليمن “السَّعيد” وجيشه كالغيمِ
يزحف نحو وادي النَّملِ
وأنا أبحثُ عن جُحْرٍ، بقايا مَسْكنٍ
لئلا يَحْطِمَنِّي جيشُهُ!
جيش الحكايات التي لا تنتهي
في بلادٍ تشربُ من بئرِ الكلام الشِّعرَ
والمعلقاتِ السَّبعَ
وأنا مختبئٌ بين السُّطورِ
في ثتايا الصَّدر، صدرِ البيتِ
في حرفِ الرَّوي
أقلِّبُ المعنى؛ لعلِّي أهتدي لكِلْمَةِ السِّرِ
فتنفتحُ المغارة!
بلقيسُ في القصر المُنيفِ أسيرةٌ
في الصَّمتِ
أو في ابتلاء الأسئلة!
ساقُها مكشوفةٌ كيلا تخوضَ بمائها
يا لابتلاءِ الأسئلة!!
أوَكلُّنا نَعْرى؛ لِنكتشفَ الحقيقة!
أم ننظرُ الوحيَ الذي يأتي
ولا يأتي
لعلَّ الأرضَ تُنبِتُ نخلَها أو سِدْرَها
فنهزُّ الجِذعَ؛ يَسَّاقَط ُ ما تبقى من حنينٍ
وقمر!
( 3 )
أي رفيقَيْ رحلتي
قولا لهم إنِّي خلاصةُ حُزْنِهم
إنَّ المواجعَ لم تعد تنمو على قِمم الكلامِ
وإنَّ ثلوجها سالت دموع الرَّافدينِ
لعلَّها تغسلُ وجهَ الأرضِ من دمنا
وتدفنُ في تراب “الزُّور[i]” لهفتنا
فمَنْ يدري
لعلَّ الشَّمسَ تشرقُ من خلال الغيمِ
والرِّيحُ يهدأ عَصْفُها
ليعلو صوتُ أغنيتي
“سلميلي يا طيور الطَّايرة [ii]
سلميلي يا شمسنا الدَّايرة
مو بعيدين اليحبْ يندَلْ دربهم
مو بعيدين …”
لستُ بعيدا فأنا في مجمع النَّهرين
تاريخٌ من الوجد
وأوتارُ ربابة
هذا النَّهر
لي
هذا النَّهر
مثلي، يداري ألف رغبة!
لا ظل يتركه على رمل الأماني
وأنا مازلتُ أهْذي
أهَذي خطاي على الرَّملِ
الذي أقطعه كلَّ مساءٍ
علَّني أرسمُ درباً لصباحاتٍ
جديدة!
1- الزُّور: اسم يطلق على الأراضي الخصبة المحاذية لنهر الفرات
2- أغنية عراقية مشهورة لسعدون جابر من كلمات زهير الدجيلي
الزُّور: اسم يطلق على الأراضي الخصبة المحاذية لنهر الفرات [i]
[ii] أغنية عراقية مشهورة لسعدون جابر من كلمات زهير الدجيل[ii]