المصورون السوريون، الشهود الشجعان في قلب الاحتجاجات الباريسية

0

جان بيير فيليو*

ترجمة زويا بوستان

هم مجموعة من المصورين الصحفيين اللاجئين في فرنسا والذين كانوا قد تدربوا على التصوير في قلب الصراع السوري، يقفون الآن في الخطوط الأمامية للاضطرابات الحاصلة في العاصمة باريس، حيث تعرض واحد منهم للضرب بالهراوة على وجهه، هؤلاء المصورون السوريون الحاصلون على اللجوء السياسي في فرنسا يدعون أمير، سمير، زكريا وعبد المنعم، والذين لم يبلغ عمر أي منهم ثلاثين عاماً! ورغم لك فهم يعرضون أنفسهم لشتى أنواع المخاطر منذ سنوات طويلة، كي يوثقوا الأزمات الراهنة، وجاء تعرض أحدهم لضربات بالهراوة على وجهه في 28 نوفمبر في ساحة الباستيل أثناء مسيرة الحرية ليستدعي الكثير من التعاطف والمشاعر، وعلى إثره فُتح تحقيقان داخليان حول الأمر من قبل الشرطة الفرنسية والنيابة العامة في باريس. وعلاوة على هذا الجدل الجديد الدائر حول عنف الشرطة فإن مسيرة هؤلاء الصحفيين الاستثنائية تستحق أن يُشار إليها.

على الخطوط الأمامية في سوريا ثم في باريس

هؤلاء الشبان ترعرعوا جميعاً في سوريا بشار الأسد الذي ورث البلد والشعب من أبيه، وانضموا للهبة الشعبية لعام 2011 ضد نظامٍ غاية في البربرية، ولكن قناعتهم بالكفاح السلمي وإيمانهم بحرية التعبير قاداهم إلى أن يصبحوا مواطنين صحفيين، على الخط الأمامي في مواجهة القمع والقصف.

الصحافة العالمية والتي أصبح مراسلوها عاجزين عن الدخول إلى المسرح السوري وتحت وطأة التهديد بالقتل أو الخطف اتكأت أكثر فأكثر على هؤلاء المتعاونين المحليين والذين تدربوا شيئاً فشيئاً على منهجية مهنية، أكثر من كونها حربية.

صورهم الصادمة الملتقطة من مسافة قريبة جداً من المأساة لطالما وجدت طريقها إلى الانتشار، وعرضت أصحابها لمخاطر رهيبة، ففي عام 2015 فقد زكريا عبد الكافي عينه اليمنى بعد أن أصابته طلقة من بندقية قناص موالٍ للأسد في حلب، وفي العام التالي قضى والد أمير الحلبي بجانبه، أيضاً في حلب، وهو يحاول إنقاذ ضحايا قصف بالطيران الحربي.

سقوط آخر معاقل الثورة في حلب الشرقية عام 2016، ومن ثم سقوط الريف الدمشقي وعلى رأسه دوما عام 2018، أجبر هؤلاء المراسلين الحربيين من نوع جديد على اللجوء إلى فرنسا، حيث حصلوا فيها على اللجوء السياسي. وهنا وضعوا إمكانياتهم وخبراتهم التي منحهم إياها المرجل السوري، في خدمة التغطية الصحفية للاضطرابات المجتمعية في باريس، ومن بينها العمل لصالح وكالة الصحافة الفرنسية (فرانس برس) حيث تعلم زكريا عبد الكافي كيف يتعقب أفراداً من جماعة (بلاك بلوك) الذين يندسون في المظاهرات من أجل إشعالها بعنفٍ منقطع النظير. ففي الأول من أيار 2017 جابت صورته المعنونة بـ “الشعلة البشرية” (كناية عن شرطي مشتعل بعد إصابته بزجاجة مولوتوف حارقة) العالم، وتصدرت الصفحات الأولى من نيويورك تايمز إلى الواشنطن بوست والفايننشال تايمز. عبد الكافي والذي حاولت جماعة (بلاك بلوك) أن تحرجه مرات عدة قال عن هذا المشهد إنه مؤثر جداً بالنسبة له، فهو يعرف تماماً أن الشرطي السيء هو من يطلق النار على الناس، أما في فرنسا فالشرطة تتواجد لحمايتهم.

(الشعلة البشرية) تصوير زكريا عبد الكافي

عالقون بين نارين

احتجاجات (السترات الصفراء) دفعت المراسلين السوريين مرة أخرى إلى التواجد لتغطية احتجاجات فاقت في عنفها قمع الشرطة. وهنا يقول عبد المنعم عيسى (دوماني الأصل) “لقد لفتتني درجة العنف الممارس من قبل بعض المتظاهرين أنا أتحدث عمن يقومون بحرق السيارات وتحطيم الواجهات، لقد كنت أعتقد أن المتظاهرين هنا أكثر تحضراً”. ومن جانبه صرح سمير الدومي المنفي أيضاً من دوما بأنه فوجئ بسهولة الانتقال بين طرفٍ وآخر، فقد كان يستطيع التقاط صورٍ من جهة المتظاهرين ومن ثم الانتقال إلى الضفة الأخرى حيث الشرطة. في سوريا، أنت لا تستطيع الاقتراب حتى من هذه الأخيرة، وإلا عرضت نفسك للاعتقال أو الاختفاء”.

ويضيف الدومي بأنه ابتسم عندما سمع متظاهراً يصيح “إنها الحرب”! “هذه ليست حرباً يا صديقي، الحرب غير هذا تماماً”. في جميع الأحوال هذه الخبرة التي لا تقدر بثمن للصحفيين السوريين والتي ضاعفتها شجاعتهم تدفعهم إلى تقديم المزيد من الصور الأخاذة ذات الانتشار الواسع.

من احتجاجات السترات الصفراء، تصوير عبد المنعم عيسى

وبينما لا ينفك الجو المشحون بين قوات الأمن والصحفيين من التصاعد، والذي كانت نتيجته اقتراح قانون (الأمن الشامل) حيث حصّلت نقابات الشرطة اختراقاً هو المادة 24، وتجريم ما أسموه بالاستخدام الضار لصور الشرطة والجندرماـ جاءت المظاهرات الاحتجاجية رداً على هذا الانحدار، وعمت فرنسا في 28 تشرين الثاني الماضي.

أمير الحلبي

أمير الحلبي كان يقوم بتغطية هذه المظاهرات وما تخللها من أحداث مع مجموعة من زملائه، فتلقى خلال هجمة للشرطة ضد الجموع ضربة بالهراوة على وجهه. أمير قال في مقابلة مع جريدة اللوموند: “علاوة على الجراح الجسدية، لقد آذاني هذا في الصميم” ولكنه أكد دون تردد: “التصوير هو الشيء الوحيد الذي لن أتوقف عنه أبداً”.

وهذا من حسن حظنا، نحن الذين بأمس الحاجة إلى شهودٍ بهذه النزاهة.

  • جان بيير فيليو: مؤرخ فرنسي وأستاذ تاريخ الشرق الأوسط الحديث في معهد العلوم السياسية في باريس.

عن اللوموند

06/12/2020

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here