مجلة أوراق- العدد9
عبرنا البحرَ من سنوات،
ولم نعدْ نتذكر عنِ البلادِ إلا المجاز الذي يقولهُ الغرباء..
نعرفُ أن أبناءنا سيتخيلونها
مثلما تخيلَ قابيلُ الفردوس
وربما سيخطئون بلفظِ حرفِ الضاد،
نعرفُ أنهم سيقطعون الطريقَ على ذكرياتنا
لن يفهموا روائحَ زهرنا البري،
ولا طريقتنا المضحكةَ في تسميةِ الأبناء،
ولا أسلوبنا المهيبِ في الزفافِ إلى الآخرة…
وكأننا لم نولدْ هناك،
ولم نغرسْ شوكةً في طريقِ الجبل..
عبرنا البحرَ كلنا
ولم يبقَ من سيروي الأوديسا الجديدة..
كان ينقصنا وزنٌ إضافيٌّ، وحظٌ سعيد
… لنغرقَ مثل إخوتنا،
ولكنا وصلنا سالمين …
ومثل أي طيرٍ يهاجر كي لا تموتَ فراخه
احتضنا بيوضَ الحياةِ بأنفاسنا الأخيرة…
صاحبُ المركبِ أخلى بنا في عرضِ البحر
وقال موتوا،
إخوتنا الذين استثقلوا الرحلةَ
ظلوا في البلادِ التي تناثرتْ على الطريقِ
وقالوا موتوا،
الغرقى الذين سقطوا عن حوافِ القوارب
حاولوا أن يتشبثوا بأيدينا
وقالوا موتوا،
اللهُ حين أرسلَ العاصفةَ قال موتوا،
خفرُ السواحلِ وهم يثقبون قواربنا المطاطيةَ ببواريدهم قالوا موتوا،
لكنا وصلنا سالمينَ،
ولم نعد نتذكرُ شيئاً عن البلادِ التي تركناها…
لم نعد نتذكرُ،
لكن صوتاً ناعماً
صوتاً يشبهُ النايات
ما زالَ يوقظنا في الليالي القطبيةِ الطويلة
وينادي:
أنا لا أبكي عليهم،
أنا فقط أبكي عليكم…
