لا زالت الثورة الفرنسية ملهمة رغم فساد بعض الحكّام الذين تعاقبوا على الرّئاسة، ومحاولتهم القفز فوق مبادئ الثورة، لكنّ التّاريخ لن يرحم من يرجع ببلاده إلى الوراء، وهذا ليس نحن من يحكم عليه بل التاريخ، لذا سوف أتحدث عن الثورة الفرنسية في بعض الأمور الهامة ، ولن أدخل في تفاصيل كثيرة حيث يمكن القراءة عن التواريخ بدقة على النت.
كانت الثورة الفرنسية ثورة ضد الموروث بما فيه الموروث الديني ، حيث عرّته، وشوهت سمعة الكنيسة فانهار النظامان السياسي والديني معاً. جميع الأحداث التي مرّت في التّاريخ، أو التي سوف تمرّ تترك أثرها على المجتمع ، حيث يتغير التاريخ إلى الأبد على سبيل المثال فإنّ الأحداث الخمسة التي مرّت على الغرب كانت هي الأكثر أهمية للحضارة الغربية: الاستقلال الأمريكي والثورة الفرنسية ، وعصر التنوير ، والحرب العالمية الأولى ، والحرب العالمية الثانية ، ونهاية الشيوعية. ربما كان أهم الأحداث هي الثورة الفرنسية التي وفرت لعمال المدن والفلاحين والحرفيين ورجال الأعمال والمحامين والمصرفيين والممولين ،أو ما يسمى بالطائفة الثالثة فرصة غير مسبوقة للتأثير على السياسة الوطنية. الأهمية الحقيقية لهذا الحدث أنّه أعطى صوتاً لمن لا صوت له.
كانت الثورة الفرنسية حدثًا فاصلاً في تاريخ العالم استمرت من 1789 إلى 1799. شهدت فرنسا إلغاء الإقطاع، قطع رأس الملك، تغيير شكل الحكومة من ملكية إلى جمهورية ، تشكيل دستور على أساس مبدأ المساواة والحرية ، منح حق الاقتراع العام. كان للثورة الفرنسية تأثير كبير وبعيد المدى ربما غير العالم أكثر من أي ثورة أخرى حيث قللت تداعياتها من أهمية الدين، مهدت لظهور القومية الحديثة، انتشار الليبرالية وإشعال عصر الثورات.
الأهم من ذلك أن الثورة غيرت مجرى التاريخ الحديث ، مما أدى إلى الانحدار العالمي للأنظمة الملكية المطلقة واستبدالها بالجمهوريات والديمقراطيات الليبرالية.
قبل عام 1789 ، كانت فرنسا في حالة يرثى لها. كانت حكومة الملك لويس السادس عشر تواجه صعوبات مالية ، وواجهت خيارات أخرى قليلة ، وفرض الملك ضرائب على الناس. م تلا ذلك كان انفجار الغضب في الطبقة الوسطى والعاملة الفرنسية التي تم بناؤها على مدى المائة عام الماضية ، ما يميزها عن الثورات الأخرى في أوروبا هو أنها شكلت ولادة الديمقراطية. هذا المفهوم على الرغم من كونه مثاليًا من الناحية النظرية ، والذي أدى إلى عدد كبير من الوفيات ، وإساءة استخدام السلطة ، فقد أدى في النّهاية إلى تكافؤ الفرص ، و هذا إلى حد كبير هو الأساس الكامن وراء الديمقراطية التي أصبح العالم يقبلها.
كانت الكنيسة الكاثوليكية أكبر مالك للأراضي في البلاد، إذ يعتبر 10% من الأراضي الفرنسية ملك شخصي لها. سوى ذلك، فقد كانت معفاة من الضرائب، ولها حق إدارة العشور، أي دفع المواطن الكاثوليكي 10% من دخله ليعاد توزيعه على الأكثر فقرًا ومن لا دخل لهم، وسلسلة امتيازات تشريفية أخرى. كانت مجموعة من الفرنسيين تثير ثروة الكنيسة حفيظتها، مدعومة بكتابات أقلية من المفكرين الفرنسيين خلال عصر التنوير أمثال فولتير والتي وجدت صداها في الجماهير، كان تشويه سمعة الكنيسة الكاثوليكية كافيًا لزعزعة استقرار النظام الملكي، وكما يقول المؤرخ جون مكمانرس “في المملكة الفرنسية خلال القرن التاسع عشر، كانت تحدث مشاكل وخلافات بين العرش والكنيسة، لكنّهما كانا في تحالف وثيق، وانهيارهما في وقت واحد، هو البرهان النهائي على ترابطهما”. هذا الاستياء من الكنيسة، أضعف قوتها خلال افتتاح الجمعية الوطنية في مايو 1789، وعندما تم إعلان الجمعية الوطنية كممثل للشعب في يونيو 1789، صوّت أغلب رجال الدين مع ممثلي الطبقة الثالثة، غير أن ذلك لم يقلل ذلك من الاستياء والنقمة. في 4 أغسطس 1789 تم إلغاء سلطة الكنيسة في فرض العشور، وفي خطوة لحل الأزمة المالية أعلنت الجمعية في 2 نوفمبر 1789 أن جميع ممتلكات الكنيسة “هي تحت تصرف الأمة”، ومع طرح عملة جديدة في السوق، كان ذلك يعني فعليًا، تغطية قيمة ممتلكات الكنيسة المنقولة وغير المنقولة، للعملة الجديدة. في ديسمبر، دخل القرار حيّز التنفيذ، وبدأت الجمعية الوطنية تبيع الأراضي والعقارات التابعة للكنيسة لمن يدفع أسعارًا أعلى. في خريف 1789، ألغيت قوانين تشجيع الحركة الرهبانية، وفي 13 فبراير 1790 تم حلّ جميع الجماعات الدينية في البلاد؛ وسمح للرهبان والراهبات ترك الأديرة، غير أن نسبة قليلة منهم خرجت من الأديرة في نهاية المطاف.
في 12 يوليو 1790 أصدرت الجمعية” نظام الحقوق المدنية لرجال الدين” ، اعتبر بموجبه رجال الدين “موظفي حكومة”، وأنشأت الجمعية نظامًا جديدًا للكهنة والأساقفة والرعايا، كما حددت أجورهم. بموجب النظام الجديد، كان الأسقف ينتخب من قبل مؤمني الأبرشية، ما يشكل نفيًاً لسلطة بابا روما على الكنيسة الكاثوليكية الفرنسيّة. في نوفمبر 1790، طلبت الجمعية الوطنية من جميع رجال الدين، قسم يمين الولاء للدستور المدني الفرنسي، ما خلق انقسام في أوساط رجال الدين، بين أداء اليمين المطلوبة، وبين أولئك الذين رفضوا وحافظوا على “وفائهم” للبابوية.
النتائج السياسية: عوض النظام الجمهوري الملكية المطلقة، وأقر فصل السلطات وفصل الدين عن الدولة والمساواة وحرية التعبير.
النتائج الاقتصادية: تم القضاء على النظام القديم الإقطاعي، وفتح المجال لتطور النظام الرأسمالي وتحرير الاقتصاد من رقابة الدولة وحذف الحواجز الجمركية الداخلية، واعتماد المكاييل الجديدة والمقاييس الموحدة.
النتائج الاجتماعية: تم إلغاء الحقوق الإقطاعية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية وتوحيد وتعميم اللغة الفرنسية.
هل سوف يشهد عالمنا العربي اليوم ثورة تشبه الثورة الفرنسية ، و تؤدي إلى تحييد الدين؟
قد يحدث هذا، لكن ليس على المدى القريب.
*خاص بالموقع