مضر حمكو ، شاعر وكاتب سوري
مجلة أوراق – العدد 14
الشعر
مَنْ؟
ليس بنار لكن أوله الحريق
ليس بنار لكن آخره الرماد
يأتيك قاتلا يتوارى
نرجسيا فظا غليظ القلب
طفلا يظن القمر توأم يديه
يأتيك موتا يحب الحياة
ميت يفكر في الجنازة
يحزن لنسيانه الظل على رصيف الطفولة
يأتيك من مكان ما
لا تقاس أبعاده إلا بالعويل
ربما في وقت ما
مكان ما
كنتما توأمين وافترقتما كالأصدقاء أو الأعداء
ليس بعطر لكنه كل روائح الروح
ليس بفجر لكنه يخيط الليل بالنهار
ليس بفكرة لكنه التأويل خفيف الظل
إنه ما قيل أنه الشعر
أشعث لكنه جميل
لا شأن للحضارة في تهذيبه حين يغني
يمشي على رمشه الفراش
يسقط خنجرا من السماء
يغرس رمحا في المدى
ينزع مسمارا من الوريد
يجرح أبعد مكان في الروح
هو الأم أذ تحب
هو الطبيعة إذ يعطيك قوسا من قزح النزيف
مطمئناً كالقتيل
غارقا في السلام
كبرميل بارود
لا يرتدي الحرير لكنه ناعما
كسرة التأنيث الساكنة
ليس نبيذا
لكنه يثمل الليل حتى آخر قطرة من بياض قدميه
إنه ما قيل أنّه الشعر
يأتيك حينما تكون لائقاً كالجمر
أكثر هرما من الكون
يمنحك الحياة
يهديك للموت
يشتبه في أنك الحوت
يبشرك بالعنبر في آخر البحر
أنه ما قيل أنه …..؟
يأتيك بما يظن أنه الرؤى
يظن أنها الآن تسير في الغابة وحيدة
لو كنت هناك لسرقت الطريق
كي نضيع
يشربنا الشوق عن آخر الثمالات
مازال لعينيها تواليف آباد
تزرع الكواكب تحت جلدي
لا ماء غير ماء الشمس يروي الخطايا في ترابي
أي أثم هذا الذي يرتوي بالضوء سواك
لو هششت الذباب عن عسل الموتى
لانشق الليل أنهارا وسلت منك ضفافا من دخان
أنت من قال الشعر أنك ….
وقال أنني …
وظن أننا نسيل من حلمه
نهطل شمعا
نعلو اشتعالا
نهبط رسلا على شعب من المكفوفين
وظن أن لا أحلام لنا غير ما يرى
يرى إلي أقول أين عشائي من المعنى
يرى إليها تقول القمتك ثدي الكلام
لكنك لا تصغي
يرى إلي أقول جائع
يرى إليها تقول لك مآدب الضوء
كي تنام قرير الحلم
اشتبه في أن الشعر هو الحب
كيف وجسدي عربة المشلول في السباق إلى الذرى؟
كيف والروح اشتياق عال الصهيل؟
وأسآءل كلما فاض شوق الشعر بي
ما الحب؟
من هذا الذي أنا؟
من أحب؟
أأحب جسدا تتشهاه الكيمياء أنثى؟
أصوتا أدعوه السحر؟
أأحب أناي في المديح؟
أم رفيقا في المعراج إلى الله؟
من هذا ال يدعى أنا؟
أحلم من بنات نومها؟
أم من بنات موتي جاء بي الحلم؟
قلي أيهذا الشعر
سبق
الذين في برزخ ما بين بيت الطين واليقين
ربيّتهم
الذين من شموع المعابد نحتُّ تماثيلهم
الذين سقيتهم دنان التفاسير
أقداح الرموز في المذابح
الذين في قصعة الوجدان تعمّدوا
الذين سرقوا أجنحتي حين طاروا إلى القمم
الذين أطعمتهم أكباد الحقيقة
كانوا الآلهة مراسيل الوقت
الذين أوقدت قناديلهم من خيال العنقاء
في تواصيف الرماد
كان اسمها اللهب
لم يجدلوا الظفائر للجان
لكنهم قرعوا طبول الهباء
أيهذا الوقت أسرع من يقتلنا
أسرع من يقتل نفسه
أيهذا الوقت أكثرنا اشتياقا للرحيل
أقلّنا اكتراثاً بهويّة إبليس
كيف تلحم دماء المعجزات؟
أيهذا الوقت السهم المنكسر في القلب
الجبل ال ينهدّ من الندى
الكسيح يعنُّ من نسيان رجليه في فراغ القذيفة
الإعصار ال يهبُّ من الخوف
الحريق يشبّ من اللعنة
المقامر الذي يلعن النرد
سكيّر يشتم المارّة بنظرات نابية
يكره كالكراهية
هو الواهن المحب لأول مرة
ممحاة الله تمسح خطانا من اللوح القديم
سرديّة تجبُّ ما قبلها
تجبُّ ما بعدها
سيّاف الأساطير
ينأى كأنما المفارق المخذول
يتأنى في الحوار مع الندماء
يشرب الأنخاب لا من فضة الأمل
ولا من ذهب اليأس
يتشظّى من الضحك
يتلظّى من الغواية
يتلطّى گأنّما السارق تفاحة آدم
هو الفهد الهارب من الملحمة
يداهم كالجند وسن الفقراء
يوارب كالخديعة
يغافل يندفع يهرع ينقضّ يندلع يهرب مذعوراً
حتى من غزل الحمام
قيل أنه أول من فتح باب القيامة
آخر من سدّ جوع الجحيم
وقيل أنه بعرج في القلب طاف حول الخلود
دقّ في أصغر مسامير الروح كل حيطان العالم
كيف دخلت الحيطان في المسمار؟
ما أمكر عصافير الوقت تأكلنا
حين تجوع أحشاء الأبد
ها أنا في أبعد ملاحم الغبار
أبحث لحم الوقت
أجدني مسفوحاً على أنيابه
غير أني أشفق عليه
أُقطعه كل لحمي
هو شبيه النار من نواحي الأبد
هو قريني إلى حدود الجوع
لا قبور تأوي مراثيه
لا جهات تلمُّ خطاياه
ولا عافت الشوارد عظامه
تجري إلى مستقر لها
لا أعرف إن كان قاتلاً
يهرب من قتلاه
يدهس الكون
يعضّ بأضراس اللهاث على رجليه
أم يريد اللحاق بموعد الحب
لكنني أدري أنه يبلعني
لوهم في أنني الرفيق بالأسرار
يتبعني
نغفو تحت لعز ما
تحت شباك مهجور
ينزفني من أحداق التيه
لا خاطراً من النشيج
لا دماً
لا ضياء
بل رعد يتقرّى الباقي من التعب
أترانا أوار الصنوج
نتصاعد أيهذا الوقت
من دفوف المدّاحين رنين موتنا
يا أنت عاشق الأبدية
عشيقها
نيرون حرائقها
هل يفسر ما وهبتنا من آمال إبليس
جوع الضواري؟
يا شبهة الخوف في عرق خيولي
كم أنك شبيهي في العدو
أبعد من الضوء
وأسرع عرجاّ
أحدنا إلى الحب
والآخر نحو الأبد
من منّا سيصل إلى خط النهاية؟
أراك أيهذا الوقت تقول
لا أحد سيصل.