صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، مجموعة شعرية جديدة، للشاعر الجزائري خالد بن صالح، حملت عنوان: “يومياتُ رجلٍ إفريقيّ يرتدي قميصًا مُزهّرًا ويُدخِّن L&M في زمن الثورة”، وهو عنوان يحمل في غرابته وطولهِ بعدًا فلسفيًا، قال عنه الكتاب إنَّه «صيحةٌ متأخّرة لرجل ينتمي جغرافيًّا إلى القارة الإفريقية، مخزن الأسرار والثروات المستغلّة، وجغرافيا الثورات والحرّية المسلوبة، رجل يرتدي قميصًا من زمن السبعينيّات ويدخنّ سيجارة شباب اليوم من حراگة ومشجعي فرق كرة القدم، ومن المشاة ومدخّني سجائر أل. أم في شارع جزائري ينبض بإيقاع مختلف اليوم”.
وجاء في كلمة الناشر: تُشبه نصوصُ خالد بن صالح بركاناً حيَّاً، والبركانُ الحيّ هو مصطلح يدلُّ على البركان الذي سيثورُ في المستقبل. جميعنا رأينا بحيرةَ الحِمَمِ البركانية التي تغلي، لا تشبه بالطَّبع أيَّ سائل آخر، مساحة ذات لون واحد، تتخلَّله شقوق سائلة متحرِّكة لونها أسود، ثمَّ فجأةً ولكن ببطء يكاد يكون شديداً بالنسبة لانفجارِ فقاعةٍ؛ تتفجَّر بعضُ الفقاعاتِ هنا وهناك، لكن البحيرة لا تفقد أبداً هدوءها وطقسها المهيب. هكذا صمَّمَ خالد بن صالح مجموعته هذه. هي مجموعةُ نصوصٍ ولكنَّها واحدة: يغلب عليها لونٌ واحدٌ هو لون صدمةِ جيلٍ بأكمله، والشقوق السائلة والمتحرٍّكة تظهرُ بلونِ اليأس، ثمَّ فجأةً وببطء شديدٍ بالفعل، تتفجَّر في وجهنا صورٌ شعرية لها دويٌّ صامتٌ، وكما أنَّ المجموعة لا تفقدُ أبداً هدوءها وطقسها المهيب.
هذه هي التقاطعات، أو وجوه الشَّبه بين يوميات خالد بن صالح وبركةِ الحِمَمِ البركانية الحيَّة. لكن هناك خلافٌ كبير بينهما وحاسم، فالحِمَمُ الحيَّة ستثور مستقبلاً، وستخرجُ وتحرق كلَّ ما حولها، ثمَّ تخمدُ وتنتهي. أما مجموعة خالد فإنَّها وإنْ كانت حيَّة لكنها لن تثور أبداً ولن تنتهي. وهذه مهارةُ الشاعر الذي استطاع أن يضعَها في تلك المنطقة؛ خامدةً ولكنها حيَّة ولن تموت. بتعبير آخر حيَّة وميِّتة ممَّا يجعلُ قارئ هذه النصوص يعيش نوعًا من التوتر الغريب. نصوصٌ تتحدَّث وتنذر بالموت ولكنها تشعرنا بالحياة، أليس هذا هو الشعر؟
الحِممُ هي الأشياءُ كلُّها انصهرت واندمجَ بعضُها ببعض وأصبحت سائلة: الحديد والفوسفات والماس والقصدير والمواد العضوية وملايين الخلايا الأولى في جوف الأرض – الحياة. الحِمم، في الأخير؛ هي الشكل الأول لوجودِنا كبشرٍ وقد صهرت الأشكالَ في داخلها وأصبحت سائلةً منسابةً، كلَّما لمست شيئاً صهرته وأخذته معها. شعر خالد بن صالح صهر كلَّ شيء في داخله وأصبح سائلًا أيضاً، سرداً ينسابُ. إذا لم تُصدِّقوني حاولوا أنْ تلمسوا نُصوصهُ على الورق بأصابِعكم، لكنْ، أنا لا أتحمَّل مسؤولية احتراقها!
من الكتاب:
في سنة 2019، “جبنا “La Coupe d’Afrique
كنتُ قبلها بسنةٍ واحدة، أعيشُ داخلَ بالونِ هواء
أُنظِّر للثَّورةِ، وأسقي أشواكاً صغيرةً كانت تنمو ببُطءٍ في الظِّلِّ.
كان العالمُ قبيحاً في الخارجِ، وكنتُ أسافرُ عبر المتوسِّط من عاصمةٍ إلى أخرى، أتحدَّثُ عن الكُتُبِ، وأحثُّ الناسَ للتَّدرُّب على المشي لساعاتٍ، ولو في الخيالِ. كنتُ كشاعرٍ ينحدرُ من سلالة المُتشائمين عبرَ التاريخِ، لا أثقُ في شيء، ولا حتّى في المرآة التي أصطدمُ بها كلَّ صباحٍ، وتمسحُ على وجهي كأُمٍّ تعرفُ أنَّ ابنها يفقدُ ملامحَهُ يوماً بعدَ يومٍ.
خالد بن صالح
شاعر وصحفي من الجزائر، مواليد عام 1979، «يومياتُ رجلٍ إفريقيّ يرتدي قميصاً مُزهراً ويُدخِّن L&M في زمن الثورة» هو إصداره الشعري الرابع، بعد «سعال ملائكة متعبين» 2010، «مائة وعشرون متراً عن البيت» 2012، ثمَّ «الرقص بأطراف مستعارة»، عن منشورات المتوسط 2016.
موعد إطلاق الكتاب:
المؤلف خالد بن صالح سيكون حاضراً في حفل إطلاق وتوقيع كتابه “يومياتُ رجلٍ إفريقيّ يرتدي قميصًا مُزهّرًا ويُدخِّن L&M في زمن الثورة”، في الصالون الدولي للكتاب بالجزائر، سيلا 24؛ جناح منشورات المتوسط (A 24) بالقاعة الرئيسية؛ يوم السبت 02-11-2019، ابتداءً من الثالثة مساءً.