يوماً ما سنعود

0

حسام الدين الفرّا، كاتب وشاعر سوري – له ثلاثة كتب في الشعر والسرد

مجلة أوراق- العدد16

أوراق الشعر

يوماً ما نصلُ النّفقَ المُعْتمَ

حتى آخرِهِ،

في آخرِ روحٍ فينا

نكتبُ: ها انتهتِ الحربُ

ونورُ الشمسِ السّاطعِ لاحْ

يتلاقى ابنُ المقتولِ

بقاتلِ والدِهِ، يسألُهُ:

لمَ يتّمْتَ الأطفالَ،

وهمْ ما شبُّوا

عن طوقِ الحبقِ المزروعِ،

بكلِّ أناةٍ في حضْنِ أبيهمْ؟

هل كنتَ تُراهنُ قنّاصاً

مثلكَ مَن يتمكّنُ

من قنصِ الرّجلِ الرّاكضِ

في الشّارعِ،

يحملُ رَبْطةَ خبزٍ،

وتركْتَ الأفواهَ بلا قوتٍ،

في الليلِ تئنُّ بلا مِصباحْ ؟!

يتلاقى الجارُ بلِصِّ البيتِ،

يقولُ لهُ: لمْ ترْعَ

حقوقَ الجيرةِ يا بنَ الحارةِ،

هل أحرقْتَ البيتَ بُعيدَ النّهبِ،

تركْتَ القلبَ

بلا بابٍ، أو مِفتاحْ ؟!

يتلاقى المسجونُ

بسجّانٍ فظٍّ، كانت مُتعتُهُ

في تعذيبِ السّجناءِ،

ومسْخِ الأنفسِ،

يجعلُ للريحِ بساطاً،

يأخذُ مَن يهوى

في رحلةِ إعطاءِ الجسمِ النّاحلِ

لوناً من ألوانِ الموتِ،

ومن ألمٍ لا يُنسى

يسألُ سجّاناً عن كِسْرةِ خبزٍ

أخفاها عن مسجونٍ

كي يأكلَ فأراً

يُؤنسُهُ الزّنزانةَ

كلَّ مساءٍ، كلَّ صباحْ

يوماً ما ستكونُ الحربُ

مُجرّدَ ذكرى

نحكيها للأطفالِ

قُبيلَ النّومِ، نُهدْهدُهمْ نحكي:

كانَ، وما أفظعَ ما كانَ

طغاةٌ ولغُوا في دمِنا،

جعلُوا المدنَ المأهولةَ أنقاضاً

لا يسكنُها إلّا الغربانُ،

ونحكي عن أمراءِ الحربِ،

ونسكتُ عن كلِّ كلامٍ

غيرِ مُباحْ

يوماً ما

سنعودُ، كما سمكِ السّلمونِ

 إلى نهرٍ

كان جميلاً،

نسبحُ من أجل اللُّقيَا

عكسَ التّيّارِ،

ومهما اشتدَّ العصفُ

وساءتْ أنواءٌ ورياحْ

سنعودُ فحبلُ السّرّةِ مدفونٌ

في أرضِ الوطنِ المنذورِ،

بما فيهِ

من بشرٍ

حجرٍ

شجرٍ

لمآسي الحربِ،

وتقسيمِ الجزءِ

إلى أجزاءٍ تتناوشُها

كلُّ الأسلحةِ الفتّاكةِ

من صاروخٍ

يعبرُ قارّاتِ العالَمِ

من أدناهُ إلى أقصاهُ،

حتى استخدامِ

سلاحِ الزِّيْرِ

بقتلِ النّفْسِ،

وفصلِ الرّأسِ

بسيفِ عليٍّ، أو عمرٍ،

أو طعنِ حِرَابٍ ورماحْ

سنعودُ، فحبلُ السّرّةِ

مِغناطيسٌ يجذبُنا

مثلَ حديدٍ كي نرجعَ،

حيث مكانُ الدّفنِ الأوّلُ

في العقلِ الباطنِ مازالَ

وروداً، وأقاحْ

يوماً ما سيعودُ البَلشُونُ

 منَ التيهِ

إلى العُشِّ مَهيضَ الرّوحِ،

بدونِ جَناحْ،

ويقولُ: هنا في الحيِّ

لعبْنا “الحاحَ”

وكنّا نرمي كرةَ السّلّةِ

 نعلو، ونهزُّ شِبَاكَ الخصمِ،

ونملأُ أرضَ الملعبِ

ضِحكاً وصياحْ

وهنا في الحيِّ

لعبْنا “الغمّيضةَ”

لم نعرفْ أنّ الكلَّ توارى

من رُفقاءِ الحيِّ

منَ الأحبابِ

كأنّا ما زلنا نلعبُها

حتى الآنَ، ولكنْ

في كلِّ الأصقاعِ

نُولّي الوجهَ إلى المنفى،

ونَعدُّ سنيّ النأيِ

عنِ الوطنِ الأبهى،

نُخفي ما فينا

من همٍ؛ كي لا نخرجَ

من دنيا صارتْ

أشبهَ بالغمّيضةِ،

تلفحُنا بالبؤسِ،

ونهربُ كلٌّ

في ناحيةٍ وبطاحْ

وهنا في النّهرِ،

وتحتَ الجسرِ

تَعلّمْنا أن نسبحَ،

أن نأكلَ من خيراتِ النهرِ

منَ السّمكِ المشويِّ،

وأنْ نشربَ من ماءِ فراتٍ

كان قُبيلَ الحربِ قَرَاحْ.