عبد الله الحريري
عبد الله الحريري: طبيب وشاعر من درعا تولد 1983، صدر له ديوانا شعر: “الشهيق إلى الرئة الحرام” 2015، وآخر “لا تنس قلبك حافياً” 2019، كما يكتب المقالات والنصوص الأدبية في عدد من المواقع الإلكترونية.
أوراق 11
أوراق الشعر
إلى أحمد حسين حسن (شهيد تحت التعذيب في سجون نظام الأسد)
غداً سيترك الجنودُ مواقعَهم
ولن تؤخّرَ بندقيةٌ صبحاً وفيروزَه عن شاينا وقهوتنا
سيكون لنا خبزٌ واحد، وأرصفةٌ مستمرة بلا أوراق ثبوتية
ويكون لنا وقتُ الضحى كاملاً لتفقّدِ الأصدقاء
وساعةُ بعد الظهيرة للحديث عن الحرب ..
ليست حكايا قبل النوم أو حشوَ الأمسيات المملّة
لكنها تتعبنا ..؛ قصصُها تلك التي لم نقلها
كثيرون سينتفخون باسم الحرب..
فتجرحهم حاؤها، وتغرق في حلوقهم
أمّا نحن .. سنغتسل من دمائنا والذاكرة
لا شيء بعد الحرب إلا بطولات الهاربين، وتائبون عن حقيقتهم
وأنتَ هناك.. خلفَ التلّ
تدلُّ القادمين إلى قدومهم .. والذاهبين إلى ذهابهم
وحيداً تحتَ قنطرةِ الدير بلا مصراعين أو مزلاج
يداك شجرتان تنصبان فخّ المواسم لعصافير التين
يا شمالنا العالي..
كم زحفنا إليكَ بخوفنا الكهل .. وأحلامنا الصبية
على طُرق ملتوية كالأفاعي جرّتْ النوقُ الهزيلة إعياءنا
ورمتنا على بابكَ مثل جِرَار الفَخّار وسِلال القشّ
فسال من راحتيكَ الماء، وامتلأت جيوبنا بالزبيبِ والجوز
قبلَ أن تسحبكَ الزوبعة في عشوائها.. وترميكَ علينا جبالاً من الغياب
ماذا سنفعل إذاً حين يمرّ الرفاق بالدير؟!
سندعوهم إلى مائكَ الصافي
وتغنّي لهم امرأةٌ وحيدة أغنياتكَ القديمة
حاملةً وجهكَ كالطفلِ
باحثةً عنه في صمتهم .. وفي عارنا المتواري
وحين يسأل عنكَ الصغار
سنقول لهم: ذهب ليشتري لكم عيداً
وحين تبحث عنكَ المدينة
سنعيدها إلى الدار كجدّةٍ أكل الزهايمر قلبها
–لو لم تفقد المدينة عقلها لقتلناها بك–
أنت لم تسرق لنا ناراً..
لكنّها أصابعكَ اشتعلتْ فوق رؤوس الجبال
فاحملْ كبدكَ على راحتيك
واعصرْ إسفنجته فوق رؤوسنا
غداً سيترك الجنودُ كؤوسهم مرميةً هنا وهناك
وثمالةً في القناني
سينسون سِجلّاتهم وقوائمَ المطلوبين والقتلى
وسنعتاد الخروج من منازلنا بلا هويات شخصية
فقط في مواسم الزواج سنبحث عنها بين أوراق الطابو في الدروج المنسية
لكنّ شجرتين في الشمال .. خلف التلّ .. بعد طريقٍ صاعدةٍ ملتوية
هما يداكَ .. ترفعان قنطرةَ الدير
تدلّان القادمين إلى قدومهم .. والذاهبين إلى ذهابهم
وتحكيان كيف دخل الجنودُ المدينة ثم فرّوا هاربين
دون أن يعترفوا بالأسرارِ التي لم تُفشها.