تقول الأسطورة اليونانية القديمة أن أورفيوس إبن أبولو أحب الجميلة يوروديس وتزوجها وعاشا معاً سنوات ملؤها السعادة، غير أن سعادتهما تلك لم تدُم طويلاً، إذ فرق بينهما الموت بعد تعرض يوروديس للدغة أفعى وهي تتجول كعادتها ذات يوم مع الحوريات في الغابة. تقول الأسطورة أن الحزن قد تملك من أورفيوس بعد وفاة حبيبته وهام على وجهه يعزف ألحاناً يملؤها الأسى على القيثارة التي أهداها له والده. كانت ألحان أورفيوس شجية على نحو تأثر له الأعداء قبل الأصدقاء، حتى الوحوش والضواري حزنت لأجله. كان حزن أورفيوس على زوجته شديداً ما دفع بأبيه إلى الإشفاق عليه فنصحه بالنزول إلى العالم السفلي كي يستعيد زوجته المحبوبة من بين الأموات، وهو أمر لم يسبقه فيه أحد. إستعان أورفيوس بقيثارته التي سحر بها حراس العالم السفلي حتى استطاع في النهاية الوصول إلى حبيبته. كان شرط ربة العالم السفلي الوحيد لكي تسمح للعاشق المُتيّم باصطحاب زوجته إلى خارج مملكتها أن لا ينظر أو يلتفت إلى يوروديس حتى يخرجا من حدود مملكة الموت. حرص أورفيوس على تنفيذ هذا الشرط في طريق خروجه، ولكنه قبل خطوات من نهاية العالم السفلي حانت منه التفاتة إلى حبيبته رغماً عنه فأعيدت مرة أخرى إلى عالم الأموات. إنها اسطورة عن الحب والعشق والضعف الإنساني.
عُولجت هذه الأسطورة في عدد من الأعمال الفنية الغربية، وكان الفنان الإنجليزي فريدريك لايتن أحد هؤلاء الفنانين، إذ جسدها في لوحة رسمها في ستينيات القرن التاسع عشر، وهي تعد واحدة من أشهر كلاسيكيات الفن الغربي، وتُعرض حالياً في متحفه بلندن. ركز لايتن في معالجته للأسطورة على مقاومة أورفيوس لرغبته في النظر إلى حبيبته وهو يخرج بها من عالم الأموات. تُظهر اللوحة مشهداً يجمع بين أورفيوس وحبيبته يوروديس. في اللوحة يبدو أورفيوس وهو يُشيح بناظريه بعيداً محاولاً الابتعاد عن حبيبته ومقاومة رغبته في النظر إليها، بينما تجذبه يوروديس نحوها في استعطاف. اللوحة نفسها انتشرت خلال الآونة الأخيرة على مواقع التواصل الاجتماعي بنوع من التصرف أضفى عليها أجواءً من الطرافة بعد تغيير بسيط في بعض تفاصيلها، إذ بدى أورفيوس وقد ارتدى كمّامّة طبية وقُفازين في يديه، فظهر وكأنه يحاول حماية نفسه من العدوى. وللتأكيد طبعت عبارة بخط واضح في أعلى الصورة تحث الناس على الابتعاد عن أماكن التجمع، والاحتفاظ بمسافة مترين بين الأشخاص الآخرين.
اللوحة هي واحدة بين مجموعة من اللوحات الأخرى وُظفت في حملة دعائية أطلقتها أخيراً وزارة الثقافة الأوكرانية بالتعاون مع إحدى وكالات الدعاية هناك، في سياق حملة التوعية العالمية لمواجهة وباء كورونا. ضمت الأعمال التي وُظفت في هذه الحملة تسعة أعمال كلاسيكية ذات شهرة واسعة في تاريخ الفن الغربي، بينها مثلاً لوحة “العشاء الأخير” لفنان عصر النهضة الإيطالي ليوناردو دافنشي. اللوحة الشهيرة التي يظهر فيها السيد المسيح جالساً إلى المائدة بجوار حوارييه الاثني عشر، ظهرت بعد التعديل خالية من وجود الحواريين، بينما بدا المسيح وحيداً مع كمّامّة طبية على وجهه، وثمة عبارة مرافقة تدعو الناس إلى التباعد الاجتماعي. ضمت الأعمال أيضاً مقطعاً من عمل مايكل أنجلو الشهير “خلق آدم” والمرسوم على سقف كنيسة السستين في إيطاليا، وفيه بدت يد البارئ ممسكة بعبوة مُطهّر. أما لوحة الرسام البلجيكي رينيه ماجريت “إبن الإنسان” فقد تم استبدال التفاحة التي تغطي وجه الرجل بكمّامّة طبية. وفي لوحة ليوناردو دافنشي الشهيرة التي تصور امرأة تحمل حيواناً صغيراً ذا فراء، فقد استبدل الحيوان فيها بأكياس من الحبوب تحملها المرأة كمؤن يُستعان بها في أيام الحظر الطويلة. ثمة لوحات أخرى تدعو الناس إلى الحرص على غسل اليدين باستمرار أو استعمال أدوات التعقيم والمطهرات عند ملامسة الأسطح، أو استعمال بطاقات الدفع الألكتروني بدلاً من النقود.
هذا التوظيف المبتكر والطريف للأعمال الفنية الذي لجأت إليه وزارة الثقافة الأوكرانية لم يكن الوحيد في ظل أزمة كورونا، فقد ظهرت أشكال مختلفة للتعامل مع الأعمال الفنية الشهيرة حول العالم، لعل أشهرها تلك الدعوة التي أطلقها مُتحف “بول غيتي” في الولايات المتحدة لتصميم صور إبتكارية من وحي الأعمال التي يضمها المُتحف. لقيت هذه الدعوة تجاوباً ملحوظاً حول العالم، فانهمك البعض منتهزين فرصة قضائهم الوقت في المنزل وراحوا يبتكرون صياغات مختلفة للأعمال الفنية الشهيرة، مستخدمين أجسادهم أو حيواناتهم الأليفة، أو ما تسنى لهم من أدوات وأغراض محيطة بهم. انتشرت مثل هذه الصور المُعدلة أخيراً على وسائل التواصل الاجتماعي مذكرة الناس بالأعمال الفنية الشهيرة لفنانين بارزين، بينهم يوهانز فيرمير، وغوستاف كليمت، وسلفادور دالي وجون وليام، حتى تلك الأعمال التجريدية للروسي الشهير فاسيلي كاندنسكي لم تسلم هي الأخرى من هذه المعالجات الإبداعية الطريفة، فبالرغم من قسوة الأحداث إلا أن الناس تبحث عن الفكاهة لعلها تُخفف قليلاً من وطأة هذه الأجواء المُلبدة بالخوف.
*المصدر: اندبندنت