بالرغم من السخرية التي تتعرض لها المرأة التي تحاول الاحتفال بعيدها أو تهتم لأمر هذا اليوم، إلا أنه من اللافت القول إن واقع الأمر لا يبين أنها تنتظر احتفالاً بعيدها بقدر ما تنتظر اعترافاً وتقديراً لما تبذله من جهد وما تتكبده من عناء.
الحوار المتجدد والمستمر حول المساواة بين الجنسين يصبح أعلى صوتاً كلما اقترب يوم الاحتفال السنوي بالنساء، فتتعالى الأصوات بين رافض ومرحب، حتى إن مسألة المساواة بين الرجل والمرأة دينياً وقانونياً أصبحت محط نقاش وسخرية في أصغر الحلقات وأكثرها بعداً عن الموضوعية.
وبالرغم من استمرار مطالبة النساء بتحصيل حقوقهم كاملة فإن ما قد تعاني منه المرأة على الصعيد الاجتماعي من اضطهاد واستخفاف، في كثير من الأحيان لا يقل أهمية عن مسألة تصغيرها واعتبارها كائنا من الدرجة الثانية قانونياً.
تحملت المرأة مغبة الحروب ودفعت الفاتورة بشكل مساوٍ للرجل في الحروب الدائرة، غير أن ما يحصل هو حالة نكران عام لجهودها، وانعدام التقدير لها أو لما قدمته والتعامل معه كأنه أقل واجباتها وبالتالي فهو لا يستحق عرفاناً.
لقد تضافر في تشكيل صورة المرأة الحالية عدة عوامل اقتصادية واجتماعية وربما سياسية، لكن السبب الأهم الذي يتذرع فيه كثيرون في أول مناقشة بخصوص حقوق المرأة هو “النصوص الدينية” التي يستمد منها المجتمع العربي تشريعاته.
يدفعنا ذلك إلى التساؤل حول ما إذا كان الفكر الديني هو السبب باستضعاف المرأة أم العرف الاجتماعي الذي يحكم المجتمع في حالات كثيرة مخالفاً فيها النصوص الدينية أو قافزاً فوقها، مثل حالات التحرش أو سفاح الأقارب والاغتصاب وما شابه التي يسعى المجتمع للتعتيم عليها بحكم العادات والتقاليد بالرغم من أن الدين قد يكون له رأي مخالف في هذا.
نقطة أخرى يمكن الاستدلال عليها لتؤكد سيطرة العرف الاجتماعي وهو سلوك المهاجرين بعد حالة الهجرة الجماعية التي أقدم عليها السوريون جراء حالة الحرب، إذ نلاحظ أن كثيراً من الرجال يقدمون على اختيار شريكات حياتهم في المهجر، على أن تكون مناسبة مع فكرتهم عن النساء حتى ولو كلفهم ذلك مبالغ طائلة من مهر وتجهيز أو ما يمكن إنفاقه من أجل استقدامها من البلاد، لأنه في حال أراد الزواج فإنه يبحث عن فتاة مؤدلجة مسبقاً ومبرمجة على احتياجاته الذكورية وغير قابلة للتفكير بخصوصيتها وإنسانيتها.
يحيلنا ذلك إلى التساؤل عن مدى مسؤولية المرأة عن هذه الفكرة طالما أنها العامل الأساسي في تربية الأبناء من ذكور وإناث، مع عدم إغفال العوامل الأخرى القائمة مجتمعياً، التي تساهم في تربية الجيل الناشئ ومدى سلطتها في الإجبار.
لقد أرخى النظام الأبوي بظلاله عبر عقود طويلة على صعد الحياة المختلفة، لكننا من غير الإنصاف أن نلغي إرادة المرأة أو عدم اشتراكها بأن تكون عاملاً مساعداً في تقبل التعامل مع نفسها أو مع بنات جنسها بهذه الطريقة.
قد يجد البعض حجته بأن النظام الاجتماعي والعرف القائم الجائر قانونياً ومجتمعياً في أحيان كثيرة فرض على المرأة التمسك بإعلاء قيمتها عن طريق رفع مستوى طلباتها عند زواجها تجاه المتقدم لخطبتها، وبذلك تعد هذه الشراكة مكتملة الأركان لكل من الطرفين طلباته فالعقد شريعة المتعاقدين، وفي ذلك أيضاً ما يمكن اعتباره: عذر أقبح من ذنب، فالأولى محاولة تغيير الخطأ لا إصلاحه بخطأ آخر.
على الجانب الآخر توجد نساء كثيرات يرفضن التعامل مع أزواجهن على أنه صفقة أو عقد شراء، و يفضلن توصيف حياتهن المشتركة مع الرجل على أنها تشارك في الواجبات والحقوق، غير أنهن يقابلن مجتمعياً بالرفض والنبذ في حال مطالبتهن باكتساب حقوقهن والتعامل على أساس العدالة الإنسانية مع الرجل، ويُعاملون على أنهم “مسترجلات” بغض النظر عن أنه من واجب الرجل الذي بحث عن شريكة مستقلة مادياً وقادرة على معاونته في مصاعب الحياة عليه وعلى المجتمع المحيط، الاعتراف باستقلالها في مواضع الواجبات والحقوق على حد سواء.
يتذرع الرجال في العالم العربي بعضهم بأنهم مناصرون لحقوق المرأة وغير ممعنين في اضطهادها مثل بقية الشرائح الاجتماعية، غير أن ما لا يعرفونه أن النساء قد تشعر بنفسها مهانة إنسانياً طالما أن الفكرة العامة عنها أنها لا تتعدى كونها آلة جنس وإنجاب فالفكرة العامة قد تعمي بصرها عن الاستثناءات الموجودة.
المشكلة الحقيقية التي تتوضخ مع مرور الوقت هو أن هنالك ما يمكن تسميته صورة نمطية للمرأة العربية، عليها ألا تشذ عنها فتفقد بذلك مواصفاتها كأنثى وتبدأ بتحمل اتهامات المجتمع ونبذ الجنس الآخر أو بنات جنسها في كثير من الأحيان.
من نافل القول إنه لا يمكننا الحديث عن مساواة الرجل بالمرأة ونحن ما زلنا نتناقش في بدهيات مثل حق الزواج أو السفر وأهلية الولاية على نفسها أو أطفالها، وإلا يصبح الحديث عن حقوق المرأة أو الاحتفال بعيدها ضرباً من ضروب السفسطة في ظل عالم ما زال يعتقد أنها ناقصة عقل ولا تتمكن من العناية بنفسها أو طفلها بالرغم من وجود ما يثبت عكس ذلك والأمثلة لا تعد ولا تحصى.
لجأت فئة كبيرة من النساء والرجال في هذا الخصوص إلى التبرير بأنهم يدعمون العدالة كون المساواة مستحيلة بين الجنسين بسبب اختلاف طبيعتي الرجال والنساء فيزيولوجياً ونفسياً، وفي هذا محاولة سافرة للقفز فوق الحقيقة واللعب على المصطلحات، في عالم ما زالت فيه بعض الأسر تميز عاطفياً بين أبنائها ولا تتمكن من تحقيق العدالة بين ذكر وأنثى.
لقد أثبتت التجربة أن نضال النساء ما زال مستمراً، بالرغم من محاولات ذرّ الرماد في العيون بهدف صرف انتباه النساء للابتعاد عن الهدف الأساسي الذي ينشدنه.
إن المساواة لا تعني بأي شكل من الأشكال أن تصبح المرأة “مسترجلة” ـ مع التحفظ على مثل هذه المصطلحات ـ مثلما يحلو للبعض القول متهكماً، الأمر الذي يثبت أننا أمام استحقاق أهم وهو تغيير الصورة النمطية المعروفة اجتماعياً عن المرأة لخلق بيئة مناسبة تستطيع المرأة التحرك فيها في أمان من دون أن تجد نفسها عرضة للاصطياد أو الاضطهاد مادياً أو معنوياً.
*تلفزيون سوريا