رحل أمس، الشاعر الفرنسي من أصل هنغاري لوران غاسبار (1925-2019) في باريس، تاركاً خلفه أكثر من 15 كتاباً بين شعر ونثر، من بينها كتابه “تاريخ فلسطين” (1968)، و”فلسطين، السنة صفر” (1970)، فقد عاش غاسبار في شبابه في فلسطين بين القدس وبيت لحم، حيث عمل طبيباً هناك. الراحل كان مفتوناً بشعر رامبو ونسبية لآينشتاين، وكبر ليصبح طبيباً وشاعراً. بعد احتلال المجر من قبل الألمان، تم ترحيل غاسبار الشاب إلى معسكر في جنوب ألمانيا، قبل أن يتمكن من الفرار إلى فرنسا في مارس عام 1945، حيث بقي فيها ودرس الطب في باريس، قبل أن يسافر للعمل طبيباً جرّاحاً بين القدس وبيت لحم وأريحا عام 1957. اقترب غاسبار من الفلسطينيين، في ” أوراق وملاحظات ” والذي ترجمه حسونة المصباحي كتب لوران غاسبار عن القدس : ليالي الصيف في القدس ، النظرة كما لو أنها قفزت من نافذة ، يلتهمها أبعد في كل سرعة ، غياب الأعماق الذي لا يمكن تخيله . ومن ذلك ، فأن هناك شيئاً لمس . شيء كان موجوداً هنا دائماً . والفجر جد قريب حتى أن الفكر لا يمكن من أن ينام . ماء العيون يواصل الارتعاش فوق الحجرة . رياح شرقية تؤجج طقطقة العشب المحروق / . وأصبحت الصحراء التي ترحّل فيها وتنقل لاستكشفاها عنصراً أساسياً في عمله الشعري أو مؤثراً وملهماً لا يمكن تجاهله فعالمه الشعري الذي يستمد قوته ونضارته من أسفاره الكثيرة عبر العالم، ومن عشقه للصحاري والبحار، خصوصا البحر المتوسط. لذلك تحضر في أشعاره وفي يومياته صحراء تونس والجزائر وصحراء سيناء وجبال آسيا الوسطى، وبحر إيجه حيث كان يلتقي الشاعرين اليونانيين الكبيرين أوديسيوس إيليتيس وجورج سيفيريس. وعن الكتابة يقول : الكتابة غير قادرة على شفائنا بيد أنها ومن خلال الإيغال في الداخل والغوص في الأعماق تكشف عن جذورنا الأكثر غورا…من عام 1970 حتى تقاعده، عمل في مستشفى في تونس وخلال إقامته في تونس، أسس مجلة “أليف” التي كانت تصدر باللغتين الفرنسية والعربية،. نُشرت أول مجموعة شعرية له في عام 1966 تحت عنوان “الحالة الرابعة للمادة” ثم “ودائع باريس” وغيرها من المجموعات التي غلبت فيها روح الترحال والتنقل واستكشاف الإنسان في حالات وثقافات مختلفة، وإضافة إلى قصائده، كتب أيضًا مذكرات سفر حول الشرق وشرق البحر المتوسط مع صور التقطها بنفسه. قام الراحل بترجمة الشعر من لغات مختلفة، بما في ذلك راين ماريا ريلكه، ويانوس بيلينسكي، ود. هـ. لورنس، ووجورج سيفريس، ويعد أحد أهم شعراء فرنسا المعاصرين. حاز على جائزة مدينة باريس للشعر، والجائزة الوطنية للشعر في فرنسا. غاسبار هو أيضاً والد المسرحي فرانسوا أبو سالم (1951-2011)، الذي عاش في فلسطين وعمل فيها وفي مسرحها، وكان أحد أكثر المؤيدين للقضية الفلسطينية. في لقاء معه وصف غاسبار نفسه قائلاً “أنا واحد من هؤلاء الملايين من الناس الذين حرمتهم الحروب الكبيرة والصغيرة من منازلهم – وما زالت تفعل. عندما يبدأ المرء بالابتعاد عن أماكن طفولته، نقول لأنفسنا إنه بعد أن نجونا من هذه الوحشية الأولى، مثل هذا الاقتلاع الجذري، لن تكون هناك مفاجآت أخرى على الطريق. نحول أنفسنا إلى أرواح رحالة”.
من نصوصه :
معرفة الضوء
اشتعلت جداولنا!
وعصفورٌ يصقل الضوء أحيانا –
تأخر الوقت هنا.
سنمضي الى الطرف الآخر للأشياء
نستكشف الواجهة المضيئة من الليل –
اعرف صباحات مجنونة باتساع
الصحراء والبحر –
حافز يعيد تشكيل الوجوه
يستبدل علاماتها.
دير حياة من لهب رئوي
في كثافة الظهيرة المتصاعدة الدخان
نعلّم الطحالب، والأسماك
لون الهواء وتاريخ الإنسان
لنضحكها عند المساء في الحبر القاتم
للإخطبوط المذعور
هذا الصباح الذي يجيء ليحط نديا في عينيك
لا يزال ممتلئا تماما بالخزف الهش
اليوم المسامي
قبلته الطويلة من صوف
كل هذا الجسد الباقي ظل في مكان ما طوال الليل.
يمرح الضوء في الأجساد الضيقة للطيور
حركات هواء مختصرة حيث تتلوى الأصوات
وتكتشف البشرة وعيون النساء
.
رجال مثقلون بالموت، والنعاس،
في ظهرهم ليل محدودب، يشهدون
هذه الدوائر على الماء يمزقها اللاشيء
وهناك بالتأكيد زجاج نوافذ مشتعل –
جدران بيضاء من طيور مسترخية
حفريات بالمصادفة في طبقات اليوم
مياه مرسومة من دروبنا
والأعماق لا تزال ترتجف –
أرجحات أجنحة
دوامات متسارعة تحت الجلد
تنحني على شواطىء تنفث الدخان
والوجنات محترقة
.
طبقات ناعمة من فولاذ رمادي
وأيادينا المشذبة على منحدرات
هذا الضوء –
وتضحك أصابعنا
عجلات هائلة خفيفة
في منزل الحياة الدفين
حيث يأتي شخص ما
فولاذ
صمت
تعرجات.