السرقة الأدبية هي واحدة من أعقد القضايا وأكثرها تشابكاً وانزلاقاً أيضاً، نظراً لصعوبة تعريفها وإثباتها. هل يتعلق الأمر بتشابه الفكرة؟ الفكرة في النهاية لا تعني شيئاً لأنها ملكية مشاعة. ويمكن أن يلتقي كاتبان حول الفكرة نفسها، وهذا يحدث كثيراً. الذي يهم أكثر هو العمل الإبداعي على الفكرة، هل تم بنفس الطريقة وبنفس المرجعيات التناصية العميقة، أم أن هناك اختلافاً جوهرياً على الرغم من التقاطع في فكرة المنطلق؟ طبعاً، هذا لا ينفي وجود السرقات الأدبية في الثقافة الإنسانية اليوم. الأسهل هي السرقات الواضحة التي لا يختلف حولها اثنان، ويتعلق الأمر هنا بالسرقة الحرفية بالمعني الجملي واللغوي والتركيبي، إضافة إلى الخيارات الأدبية البنيوية من أمكنة وأزمنة وشخصيات.
نجد في معجم لاروس تعريفاً قريباً من هذا النوع من السرقات الأدبية: هي نهب آثار الغير واعتماد المسروق بوصفه مادة شخصية. في لاروس الإلكتروني، تصبح السرقة الأدبية مسألة أخلاقية تتعلق بنسب شيء معين أخذناه من الغير ولم نشر إليه بشكل متعمد. يتكرر هذا النوع من السرقة بشكل كبير في المجالات الأدبية والفنية والجامعية.
في البلدان الأوروبية وفرنسا تحديداً، يجرم القانون السرقة الأدبية، لكن يجب أولاً إثباتها، وهنا المعضلة. كيف تثبت شيئاً كثيراً ما يكون مغلفاً بأغطية كثيرة. يعاقب السارق بالتجريم وبعقوبات ثقيلة، كثيراً ما تكون في شكل تعويضات مادية لأنها تمس بحقوق الغير بشكل أخلاقي. يتدخل القانون كحام لصاحب الملكية، مدافعاً عن حقوق المسروق. نجد أمثلة كثيرة في هذا السياق، مثلاً قضية السرقة التي مست كاتبة كبيرة ومعروفة: ريجين ديفورج، التي كتبت الرواية المعروفة «الدراجة الزرقاء» (1981 منشورات رامسي)، ورواية مارغاريت ميتشل «ذهب مع الريح»، التي لم تحكم فيها المحكمة بالسرقة على الرغم من التقاطعات الكبيرة حتى ولو اختلفت الفضاءات المرتبطة بالحرب العالمية الثانية عند ديفورج، وفترة الانفصال في أمريكا بالنسبة إلى مارغاريت ميتشل. ورواية تيري أرديسون بونديشيري (إليان ميشيل)، ورواية جورج دولامار «فوضى في بونديشيري» (1938)، بحيث كانت السرقة عبارة عن نقل حرفي فاضح في كثير من الأحيان، مما اضطر دار ألبان ميشيل إلى تمرير الكتاب عبر المقص الآلي. على الرغم من ذلك كله، السرقة الأدبية في الغرب وراءها قانون يعاقب ويتابع وهو أداة جزر واضحة، بينما العكس هو الموجود في العالم العربي. كثير من النصوص تحوم في الـ«فيسبوك» وخارجه، يتم فيها النقل والسرقة من دون مرجع ولا ذكر المصدر، بل تتجرأ روائية أن تأخذها بشكل يكاد يكون حرفياً، جُمَلاً وفقرات، وتنسبها إلى نفسها. الوسط الثقافي الذي لا يقرأ يقف واجماً ولا يحرك ساكناً. أساطين النقد الذين يوجهون يومياً القراء حول ما يجب فعله لا يحركون ساكناً، لأنهم هم أيضاً لا يقرأون. مع أن إثبات السرقة في مثل هذه الحالة سهل، فهناك جمل وتراكيب مأخوذة حرفياً ودون حرفية حتى في السرقة. المجال العالمي والأكاديمي هو أيضاً لم يسلم من السرقة. فإذا كان من الصعب إثبات السرقة في المجالات الإبداعية إلا إذا كانت حرفية، فإنها أكثر إبهاماً ومخاتلة، على العكس من السرقات العلمية.
تتوفر اليوم في معظم الجامعات العالمية أجهزة تتكئ على برامج معدة خصيصاً، مجهزة لإثبات نسبة السرقات إذا وجدت، ودرجة نقلها، وكثيراً ما تنتهي بتجريد الطالب أو السارق من درجته العلمية، أو تخلي سبيله إذا ثبت العكس. قانون 92-657 الذي صدر في 13 يوليو/تموز 1992 في فرنسا، فيه تدرج عقوبات السرقة التي تبدأ من الإنذار البسيط لتنتهي بالطرد المؤقت أو النهائي، حسب درجة السرقة.
حتى الجوائز الكبرى لا تخلو من محاولة السرقة. نتذكر جميعاً الفضيحة المدوية التي كان بطلها جامعياً جزائرياً الدكتور حفناوي بعلي، في دورة 2009، حيث اضطرت جائزة الشيخ زايد، وحفاظاً على سمعتها التاريخية، إلى تجريد الفائز بجائزة الآداب في بيان في 26 أكتوبر/تشرين الأول 2010، إذ ظهر للعيان أن السرقات كانت كبيرة وواضحة وليست مجرد صدفة. فقد تجاوزت حدود الاستشهاد والاقتباس وتحولت إلى الاستحواذ على جهود الغير نصاً ومضموناً. قال الناقد السعودي الكبير عبد الله الغذامي: «ما حدث كارثة هو بكل المعاني الأخلاقية والعلمية. لو كان الأمر يتعلق بي شخصياً لتسامحت وصفحت، ولكن القضية تمس جائزة الشيخ زايد للكتاب، القائمة على تأسيس ثقافة الكتاب بأخلاقيات حقوق الملكية الفكرية والمنهجية العلمية».
وفي كل فترة، تثار عربياً قضية السرقة الأدبية بالخصوص في الرواية، وإلى اليوم. لكن للأسف، دون أن يكون للقضاء تدخل لحسم النقاش، مع أن المسألة في الجوهر قانونية، والضرر على المسروق والسارق الافتراضي كبير. المسروق يشعر أن جزءاً مهماً من جهده سطا عليه شخص ما، بلا حق، وترتبت عن ذلك الكثير من الخسارات، وعلى رأسها ما هو مادي. والسارق المفترض يتضرر أيضاً من تهمة قد تدمره نهائياً، بالخصوص إذا ثبت أن ما سمي سرقة لم يكن إلا مجرد تقاطعات عامة لا شيء يثبتها. هذا يوثر نفسياً وربما رمزياً أيضاً، إذ يحط من قيمة كتاباته في عين جمهوره.
التهمة وحدها مضرة جداً قبل إثباتها من عدمه. احتمال البراءة في العالم العربي يكاد يكون غير موجود، وكل تهمة توضع في مصاف الحقيقة، ويدخل المتهم في دوامة قد لا يخرج منها أبداً. من الصعب إثبات السرقة الأدبية.
أتذكر صديقاً سرق في السبعينيات، بغباء، قصة للطيب صالح ونسبها إلى نفسه، فكانت الفضيحة. ظلت هذه التهمة تتبعه، وكل عمل يخرجه يخضع للرقابة والبحث من طرف المحيط الثقافي. طبعاً، مسؤوليته كبيرة، ويمكننا أن نفترض أنه كان شاباً صغيراً ويريد أن يدهش، وأنه قد تغير، لكن العقل العربي لا يقيل تغيير الصورة التي رسمها في لحظة من اللحظات التاريخية، وكأن عامل الزمن لا قيمة له. لهذا، يحتاج أمر اتهام شخص من الأشخاص بالسرقة الأدبية إلى كثير من التريث؛ لأن الأمر يمكن أن ينقلب على المتهِم، ويقاضيه المتهَم بجنحة القذف ويمكن أن ينتصر القضاء له. هذا كله لا يمنع من تفشي السرقة في العشر سنوات الأخيرة دون التمكن من المتابعة والجزر.
تشكل الوسائط الاجتماعية اليوم مرتعاً كبيراً لمثل هذه الممارسة المشينة، في ظل غياب كلي للقوانين التي تحمي الملكية، وحتى عندما توجد فهي غير مفعلة.
المصدر: القدس العربي