وائل السَّوَّاح: “لسة رح يقتلوا كتير”… ذاكرة حمص وهرطقات طائفية

0

حين لم يكن الصبي في المدرسة أو في الحارة، كان يمضي معظم وقته مع أمّه. كانت شديدة الالتصاق به، وغالباً ما كانت تصحبه في مشاويرها. وغالباً ما كان الصبي يجد نفسه في جوّ نسائي صرف، أحياناً يكون هادئاً، حين تكون زيارة شخصية بين الأم وإحدى صديقاتها أو قريباتها، وصاخباً هائجاً، حين تكون الزيارة جماعية، كما هو الحال في حفل الاستقبال الذي ينظمنها بالتناوب. وكان الصبي يحب الاستماع إلى الأحاديث التي تدور بين أمه وصاحباتها، ويلتذّ بالأخبار التي كنّ يتناقلْنها والنميمة التي كنّ يتداولنها عن الأهل والصاحبات الأخريات.  أقرب الأشخاص إلى قلبه كانت الخالة رجاء، وكان لا يبادل بزيارتها أي شيء آخر.

كان الصبي يلعب في الحارة لعبته المفضلة، سامو وساس، وهما شخصيتان اخترعهما هو متأثراً بشخصيتي ترانس هيل وبود سبنسر في فيلم “الله يغفر، لا أنا”.  سامو وساس شابان نشيطان يريدان تحقيق العدل وإنصاف المظلوم، حتى ولو خرقاً القانون. كان الصغير يضع الخطوط العريضة لقصة مرتجلة، ثم يبدأ الأولاد بتمثيلها. لعب هو دور سامو، وكان ساس صديقه ظهيرة، أما الشرطي المغلوب على أمره فكان قهرة، ويرأس عصابة الأشرار منار وجمال، شقيقا ظهيرة. وكان الصبي يقف فوق سور مدخل إحدى البنايات، يحاول أن يهرب من الشرطي، عندما مرّت الأم، آتية من البيت، متجهة جنوباً، فقفز إلى الأرض، وسألها: 

“لوين؟”.

“لعند خالتك رجاء”. بموازنة سريعة، وجد الصبي أن زيارة خالته أكثر متعة من الهرب من رجال الشرطة وملاحقة المجرمين، فانسحب من اللعبة، وسار مع أمه إلى بيت خالته. كانت رجاء سيدة فاتنة، فاتحة البشرة، عسلية العينين، نشيطة، دؤوبة الحركة، وعلى عكس أمّ الصبي التي كانت تزن كلماتها وحركاتها، كانت رجاء عصبية المزاج، تضحك بسرعة وتغضب بسرعة، تجيد الحديث فتمضي في سرد الحكايات ساعة من دون أن يشعر مستمعوها بالملل. حكاية بيت الخالة رجاء تروي فصلاً من التغيّر الذي شهدته مدينة حمص في الستينات. كان البيت عبارة عن غرفة كبيرة مقسمة بستارة إلى نصفين: داخلي وخارجي. في القسم الداخلي، بُنيت سقيفة خشبية، كانت الفتيات ينمن فوقها، بينما ينام الصبية في نصف الغرفة الداخلي. خارج الغرفة مطبخ صغير يطل على منور ضيّق، ثمّ دهليز يؤدّي إلى باب الدار الحديدي الأسود. فوق الدهليز، عليّة صغيرة كانت غرفة نوم الخالة وزوجها، يصعدان إليها على سلّم خشبي. كان زوج الخالة يعمل بائع فخّار، وعنده دكان في شارع باب هود، وكان يكاد يسدّ رمق عيش أولاده وزوجته. وتعطي عائلته صورة واضحة عن الطبقة المتوسّطة الدنيا من المجتمع الحمصي. يذكر الصبي أن الأولاد كانوا يشربون الشاي بأقداح من الألمنيوم، ويتناولونه في وجبتي الإفطار والعشاء مع الخبز الحمصي المشروح واللبن المصفى أو الزيتون أو الزيت والزعتر: لون واحد من الطعام على الأرجح. وجبة الغداء كانت أيضا من لون واحد، وبقليل من اللحم أو بدون لحم على الإطلاق.

كانت العائلة الحمصية من الطبقة الوسطى تشتري اللحم مرّة أو مرّتين في الأسبوع. وغالباً ما كانت أمّ الصبي ترسله مع ليرة سورية واحدة وعشرة قروش إلى اللحام ليشتري أوقية لحمة. وعلى عكس كلّ المحافظات السورية، الأوقية الحمصية 250 غراماً.  وكان يذهب أيضاً إلى البقال أبو بدر ليشتري أوقية لبن، أو إلى بائع القهوة، فوزي الأتاسي، في شارع شكري القوتلي، ليشتري نصف أوقية بن. وقد يكون السبب في ذلك أن بيوتاً كثيرة في الستينات لم تكن فيها ثلاجة، ويذكر الصبي أنه كثيراً ما كان يصعد إلى البيت بطلب من أحد جيرانه ليعود إليه بقالب ثلج من ثلاجتهم. وقد يكون لضيق ذات اليد، وقد يكون لأن الباعة كانوا قريبين من بيوت الناس، فيستطيعون شراء أي شيء في دقائق، ولكن قد يكون أيضاً نمط حياة ورفضاً للتبذير والإسراف.

كان الصبي يسعد بالجلوس إلى خالته والاستماع إلى حكاياتها التي لا تنتهي، وحين لم يكن يصغي إليها كان يلعب مع بنات خالته أو يجلس معهن يصغي لثرثرتهن عن كلّ شيء. وحين سيقع في غرام إحداهن، سيقع في مأزق أخلاقي مريع، فقد كانت البنات بالنسبة إليه بمثابة أخوات، فكيف يحب إحداهن إذاً؟ وفي الأمسيات، حين تهدأ الضجة ويعود زوج خالته إلى البيت من دكانته في السوق، كانت الخالة تسارع فترمي على حجر الأم منشفة صغيرة، لكيلا تظهر ركبتها أمام الرجل، الذي كان يحضر معه تمراً أو تفاحاً أو عنباً، ولكنه يحضر معه ما هو أجمل من ذلك- حكايات السوق وقصص جيرانه وخلافاتهم مع نسائهم ومغامرات أولادهم، وكان الصبي يقعد بجوار الرجل وهو يحكي حكاياته ويشرب الشاي بالسكّر، بينما تصغي له زوجته وضيوفها، وتذهب الأم فتقارن بين زوجها الصامت أبداً وهذا الرجل الذي يغني عن راديو.

وليس بعيداً من بيت الخالة، كان بيت أم سمير، السيدة المسيحية التي عاشت ردحاً من حياتها في دمشق، فاكتسبت لهجة دمشقية غريبة على سمعه. كان أبو سمير موظفاً رئيسياً في شركة نفط العراق IPC، التي كان العمل فيها امتيازاً بسبب الدخل العالي والخصوصية التي تجعل من موظفيها طبقة خاصة في حمص. لا تحتاج لأن تكون من عائلات المدينة العريقة لتتمتّع بهذا الامتياز، وهكذا وجدت زوجة الصحافي المعروف صديقة في زوجة الموظف الكبير في الشركة، وتصادق الأولاد أيضاً، سحبان صادق سمير، ومها تنادمت مع نادية وتصاحب الأربعة في المدرسة اليسوعية، ولعب بشار على الدراجة مع جورج (جوجو). أما الصبي فكانت صديقته ليلى التي يناديها الجميع لولو، حين صدرت مجلة “لولو الصغيرة وصديقها طبوش”، في صيف 1966، اشترى الصبي نسخة منها وأهداها للولو، وحظي منها بقبلة على خده. وأمضى الأولاد أوقاتاً طيبة في حفلات “الماتينيه”، كانوا فيها يرقصون ويهرّبون زجاجات البيرة خفية عن أعين أمهاتهم. 

وكان الصبي يحضر أحياناً ويفتتن برقصة “التويست” التي كانت صرعة الموسم وقتها، وتحب الأم أن تشبّهها بحركات مبيّض النحاس. ثم دخلت رقصة “الليمبو”، التي يمسك فيها شابان عصا طويلة أو حبلاً على ارتفاع معين، ثم ينثني الشباب والصبايا بخصورهم إلى الوراء، بحيث يمرّون من تحت الحبل من دون أن يمسوه بصدورهم. وكان الصبي يدهش بقدرة سحبان على هذه الرقصة وخبرته في رقصة “التويست” و”الروك أند رول”، وسيحتفظ الصبي بدهشته وهو يكبر ويرى أخاه يكبر أيضاً ولا يتعب من الرقص أبداً.  قرب نهاية الحفلة، تنتقل الموسيقى من الصخب إلى الهدوء، فتقترب المسافة بين الشباب والصبايا، ويتشابكون بالأيدي، ويحيط الشباب خصور الصبايا بيمناهم، بينما تضع الصبايا أيديهن على كتف الفتية، ويدورون، وتخفت الأصوات فتتحوّل من الصياح الهادر إلى الهمس اللطيف. في إحدى الزوايا، يجلس الصبي وبجانبه لولو، ينظر إليها ويتمنى لو يدعوها إلى الرقص كما يفعل أخوه سحبان وأختها نادية، ولكنه لا يفعل.

ستعلق بذاكرة الصبي مفاجأة لا تغادر مخيلته. كان الصبي يرى في أمّ سمير امرأة جميلة. كانت أكبر من أمّه سناً، ولكنها تضع الكثير من الألوان والمساحيق على وجهها.  وفي مرّة سترسل الأم الصبي إلى بيت أم سمير ليأخذ لها “سُكبة”، وهي طبق من طبخة تطبخها إحدى السيدات وتشتهي أن تشاطر جارتها بها. فتحت لولو الباب، وابتسمت للصبي، وصاحت أم سمير من الداخل: “فوت، وائل!”، ودخل الصبي فوضع الصحن في المطبخ، وحانت منه التفاتة إلى المرأة التي كان يراها جميلة، فأحسّ بنوع من الفزع. كانت أمّ سمير بدون مكياج، وكانت تشبه إلى حدّ كبير هيكلاً عظمياً فوقه جلد أبيض باهت. 

لا يذكر الصبي أن أمّه كانت تضع الكثير من المساحيق على وجهها، وغالباً ما اكتفت بأحمر الشفاه دون سواه، ولكنها كانت شديدة الأناقة، وكانت تصفّف شعرها أحياناً عند جورج، “الكوافير”. تقاسم في حمص الستينات “كوافيران” سيداتِ الطبقتين الوسطى والراقية في المدينة، هما جورج ومحمود. وجرّبت الأم الاثنين، وكانت تجد في جورج رجلاً حرفياً، محترماً ومعروفاً كزوج مخلص، وكانت النساء يتحدّثن في صالونه بصوت منخفض. ولكنّ أخته كانت، كغيرها من الصبايا الأصغر سنّاً، تفضّل محمود، الذي كان متحدّثا لبقا يثرثر كثيراً ويجامل الفتيات، ممتدحاً جمالهن وأناقتهن، وكان صالونه أكثر صخباً وأقلّ رصانة. ومع ذلك، لم يسمح للصبي مطلقاً بأن يدخل أياً من الصالونين. كان يرافق أمه، كما يفعل دائماً، فيسيران بهدوء متسلّقَين طلعة التلة، ثم ينحدران صوب السرايا، فيحاذيانها، وينعطفان يساراً فيهبطان إلى شارع الدبلان، ويسيران حتى نهايته، ثمّ تطلب الأم من الصغير أن ينتظرها في الخارج. فكان يبتعد قليلاً صوب الحديقة الصغيرة التي كانت تحيط بقهوة الدبلان، فيلعب قليلاً، حتى يراها تخرج من الصالون، بشعر مسرّح جميل، فيركض إليها ويعودان إلى البيت سيراً. 

لم تكن الأم إذاً تضع مساحيق كثيرة على وجهها، ولكن بعض صويحباتها وجيرانها وقريباتها كن يمضين وقتاً وهن يتحدّثن عن أفضل الوسائل لتبييض البشرة. كانت البشرة البيضاء حلم معظم النساء في المدينة اللواتي يملن إلى السمرة، على عكس نساء المدينة الجارة حماة مثلاً، اللواتي كن يختبئن في بيوتهن ولا يعرّضن بشرتهن للشمس أبداً. وكانت النسوة في جلسات الاستقبال يتحدثن بحماسة عن وصفات لتجميل البشرة والتخلّص من التجاعيد. وكان الصبي يجلس بينهن مبهوراً بمقدرتهن على الحديث جميعاً في وقت واحد، ويفكر من يسمع من بين اللواتي كنّ يرفعْن صوتهن ليعلو على أصوات الأخريات، وكان يلاحظ أن أعلى السيدات صوتاً كانت في الأغلب هي التي تهيمن أخيراً على ساحة الصراع، وفي معظم الحالات كانت فطمة، إحدى بنات خالة الأم، هي التي تفلح في ذلك. 

وفي مرّة بدأت النسوة يتحدّثن بإجلال عن “كريم” (مسحوق) عجيب تركِّبه بعض السيدات في المدينة، اسمه “البياض السليماني”، وسيفكر الصبي لاحقاً كثيراً في السبب وراء تسميته بالسليماني، من دون أن يجد واحداً. كانت النسوة مفتونات بالمقدرة السحرية لهذه المادة على تبييض البشرة وإزالة التجاعيد. ويبدو أن الكريم كان يُصنع محلياً من الفازلين ونخاع الخروف ومادة كانت توصف بأنها “سرية”، لم يكن أحد من النسوة يعرف ماهيتها. وكان للكريم تأثير سحري بالفعل، سوى أن سيدات متعلمات سيكتشفن أن المادة السرية ليست سوى الزئبق، وهو مادة سامّة تؤدي في النهاية إلى مضاعفات خطيرة. 

الجارة الأخرى التي كانت الأم تستمتع بصحبتها هي أم رينيه، ولكن الصبي كان يخشاها ويهابها، فحين تجيء لزيارة أمه أحياناً لتجلسا على الشرفة، كان الصبي يختفي، هارباً من نظارتها وشفتيها المطبقتين بإحكام، واللتين لا يتذكّر الصبي أبداً أنه رآهما تفترّان عن ابتسامة، ومن الشامة الكبيرة التي تعلو شفتها العليا بوقار وكبرياء. وكان يلاحظ أحياناً أن أم رينيه لا تحبّ أم سمير كثيراً، وسيعرف بعد فترة أن السبب هو خلاف كنسي، فأم سمير كانت كاثوليكية، وأم رينيه أرثوذكسية. حفظ الصبي الكلمتين جيداً، وبينما وجد كلمة “كاثوليك” بوقعها الحمصي “كاتوليك” أقرب للحفظ، كما كانت أم سمير أقرب للقلب، تعذّب في حفظ “أرثوذكس” باللهجة الحمصية “أرتودكس”. ولم يعرف الصبي بالطبع الفرق بين الفرقتين، ولكنه سمع أم رينيه مرّة تقول لأمه: “نحنا الأصل، هدول (في إشارة إلى الكاثوليك) جَلَبْ”. وكان على الصبي أن يمضي إلى أبيه ليسأله عن الفرق بين الكنيستين، ولكن الأب قال له إن الفرق ضئيل جداً ويصعب تمييزه، ثم أضاف: “كل ديانة فيها فرق وشيع، مثل الإسلام، عندنا سنة وشيعة، مثلاً، ولكن الفرق بينهما لا يكاد يذكر”. 

ولم يدرك الأب وقتها أنه قد صدم الصبي صدمة أكبر، فهو لم يكن سمع بالانقسام الإسلامي من قبل، وساءه أن يكون المسلمون منقسمين. وحاول أن يسأل أباه عن الأسباب والنتائج، ولكن الأب قال له: “بيكفي تعرف إنّا منصلّي وراهم وهني بيصلّوا ورانا. يعني عملياً ما فيه فرق.” حين سيكبر، سيعرف الصغير أن الأمور ليست بهذه البساطة، وحين سيقرأ تاريخ الكنيسة، وكتاب ستيفان تسفايغ الفريد عن كالفن وكاستيلو وكتب البغدادي والشهرستاني، وهرطقات جورج طرابيشي، ومجازر الهوغونوت في فرنسا، ومجازر السنة والشيعة في بلادنا، ثمّ سيرى بعينيه كمّ الحقد والكراهية بين الطوائف، سيدرك الصبي وقد كبر أن أباه كان فقط يحلّي البحر بقطعة سكر، ليخفّف عليه الوطأة. 

بعد ذلك، ستتناهى إلى مسامع الصغير، بنوع من الحذر والخجل، كلمة جديدة- “علوية”. وسيتعلّم أن القائد الجديد لانقلاب 23 شباط/ فبراير، صلاح جديد، مثلاً، علوي. وسيلاحظ الصبي أن الأهل يذكرون الكلمة بنوع من التردّد، وكأنها إساءة لا يريدون التلفّظ بها. لم يعرف الصبي في مدرسته الأولى أي ولد علوي، ولكنه، حين سينتقل إلى المدرسة الإعدادية، سيلاحظ وجود تلميذ في صفّه، نحيلاً، شديد الانطواء، يجلس في الصف الأخير، ولا يتحدّث كثيراً. حين تحدّث إليه أحد المدرّسين، أجابه بلهجة ريفية، بدت غريبة عن مسامع الصغير، وهمس أحد الأصدقاء في أذنه: “هادا علوي!”، ثمّ نظر إليه ليتحقّق من وقْع الكلمة عليه، ولمّا لم يبدُ على الصبي أنه فهم ما أراد الصديق، اقترب الآخر منه أكثر حتى لاصقه، وهمس بصوت كالفحيح: “العلوية كفّار”!  

كانت معظم العائلات المسيحية في حمص أرثوذكسية، ويشكّل الأرثوذكس في المدينة وريفها الغربي (وادي النصارى، الذي سيغيّر البعثيون اسمه تعسّفاً إلى وادي النضارة) نسبة جيدة من السكّان. وكانت نسبة كبيرة منهم، من الشيوعيين أو المتعاطفين معهم، وسيتابع الصبي بعد سنوات قليلة قصّة شغلت المدينة بأكملها، حين انقسمت الطائفة إلى معسكرين: واحد تقدّمي وآخر موال للبعث، فانتخب التقدميون الأرشمندريت غفرائيل فضّول ذا النزعة اليسارية التقدّمية مطراناً لأبرشية حمص، ولجأ المعسكر المحافظ إلى الاستنجاد بالسلطة البعثية التي أرسلت قوات الجيش والشرطة فاقتحمت الكنيسة (كما سبق أن اقتحمت مسجد خالد بن الوليد قبل سنوات)، فطردت المطران فضّول واعتقلت العشرات من الشباب المسيحي واستولت على الكنيسة ونصّبت مطراناً موالياً لها هو أليكسي عبد الكريم.  

يوم الاقتحام، فقدت المدينة شاباً في ريعان الصبا والوسامة هو نمير شاليش، كان يسكن مع أهله بالقرب من كنيسة الأربعين في حي بستان الديوان، في قلب المدينة القديمة. مساء، عاد بشّار إلى البيت حزيناً مكمداً، وكان طبيعياً أن يدور الحديث عما حصل في الكنيسة، وكان بشار يتحدّث بانفعال عاطفي، وهو يقول: 

“قتلوا رفيقي!” كان بشّار قد غدا عضواً ناشطاً في “الحزب الشيوعي”، وكان الصغير على الطريق. أما الأب فصمت زمناً، قبل أن يجيب: “لسه رح يقتلوا كتير يا ولدي!”.

(درج)