هيفاء بيطار: ليس تأقلماً بل تزويراً للحقيقة

0

حين رفع معظم اللبنانيون شعار ( صفر خوف ) بعد جريمة إغتيال الناشط الشيعي عالي الثقافة لقمان سليم ، كتبت على صفحتي على الفيس ليت هذا الشعار ينتقل إلى سوريا وتوقعت كالعادة ألا يجرؤ أحد أن يضع لي لايك على كل كتابة تفوح منها رائحة الحرية ، أعذرهم وأحس بما يعانون فليس أصعب من إختناق الكلام في حنجرتك ، لكن أحدهم رد على كتابتي بما يلي : تعالي شوفي يوم توزيع المساعدات على مئات الأسر السورية الصراخ والشجار والتهديد وأحياناً الضرب الخ ، تعالي شوفي ( صفر الخوف ) وهم يصرخون بحناجر تكاد تتمزق مطالبين بالمساعدات الغذائية خائفين ومُروعين ألا يحصلوا على الحقيبة الغذائية .

أجبت السيد بأنني أحكي عن خوف آخر وبأنني واثقة أنك بأعماقك تعرف عن أي خوف أحكي ، وبأن هؤلاء المقهورين والجياع يصرخون وربما يشتمون ويلعنون الفقر وأسبابه والمتسببين به ( يحيا الفعل المبني للمجهول ) لكن حالتهم لا تعني سوى 100 بال100 خوف وليس صفر الخوف ، فهم يصرخون من خوفهم ألا يحصلوا على الحصة الغذائية لتسد قليلاً جوع أطفالهم ، صراخ ( صفر الخوف ) هو صراخ كرامة وعزة نفس وشجاعة أي أن المظلومين ما عادوا يخافون من الفاسدين الظالمين ، أما ما تسميه أنت ( صفر خوف ) في سوريا فهو صراخ الملتاع من الخوف والقهر والظلم، صراخ ليس فيه ذرة إحساس بالكرامة وعزة النفس ، صراخ المذعور الذي ازداد ذعره بعد أن قرأ خبر إعتقال مذيعة موالية للنظام تعمل منذ ربع قرن تقريباً في التلفزيون السوري واعتقال طالبة صيدلة بعمر الورود بسبب منشورات على الفيسبوك.

تألمت فعلاً من جواب صديق لي على عبارة ( صفر خوف ) وهو مروع من أجهزة الأمن ككل سوري ويحاول كي يخفف من ذعره أن يزور مشاعره ويحرفها عن معناها الواضح بأن يعطيني مثالاً عن ( صفر الخوف ) لجياع ملتاعين من الخوف وهم بإنتظار سلة المعونات الغذائية ، يصرخون صراخ الجائع والمتألم ، صراخ حيوان خائف من الموت جوعاً أو من الذبح .  إحساسه بالحرية بأن يكتب عن معاناته وخاصة إنتقاده لغلاء المعيشة وشح الكهرباء وكورونا الخ ، فهذه الكتابات صارت تعتبر جرائم وتوهن عزيمة الأمه أو الشعب السوري .

أكثر عبارتين يتم تداولهما على صفحات التواصل الإجتماعي للسوريين هما : الله يرحمه ، ونياله مات ) ماذا يملكون سوى الترحم على الموتى السوريين بشتى الطرق وإحدى الطرق ( الموت فقعاً ) فقد أثبت العلم أن الحصر يؤدي لأمراض خطيرة وإلى الموت ، أما أن يحسد الشعب السوري من يموت على موته فدليل مخزي على عمق الألم واليأس اللذين يعاني منهما الشعب السوري ، وأنا في باريس أعيش وروحي هناك في أزقة اللاذقية ومع فقرائها وفي مقاهيها ،لا أنسى الرسالة على الخاص التي أرسلها لي رجل سوري موظف معاشه 10 دولار يطلب مني برجاء أن أكتب مقالاً أن سعر كيلو العدس صار 5000ليرة سورية ، رجل يطلب مني أن أكتب مقالاً عن العدس ، في اليوم نفسه تلقيت رسالة من أم من الحفة أعرفها كانت موظفة في شركة النسيج في اللاذقية ( تلك الشركة الضخمة التي ضمت مئات العمال والتي تم حرقها عمداً كي يقبض مديرها الخارج عن أيه محاسبة تعويضاً بالمليارات ) هذه الأم كتبت لي رسالة جعلت قلبي يتوقف وأنا أقرؤها ( هي متقاعدة الآن وزوجها مات ) قالت كنت في اللاذقية فإبني 7 سنوات لديه مرض الربو وصارت حالته خطيرة إذ صار يصاب بما يُسمى حالة ربوية أي يُصاب بإختناق وضيق تنفس ، وأحضراه إلى المشفى الحكومي فقالوا لها سيبقى في المشفى ساعات ونعطيه أوكسجين ، وبقي ساعات في غرفة تضم تسع مرضى وأعطوه الأوكسجين في كمامة ( المرضى لا تباعد فعلي بينهما وبدون كمامات ) بعد أن تنشق الطفل الأوكسجين لساعات أعطوه إبرة كورتيزون وأعطوا أمه وصفة لشراء بخاخ لمرضى الربو ودواء آخر وكان سعر الدواء 23 ألف ليرة، فإضطرت للإستدانه من قريبة لها ، وفي طريق العودة إلى باصات الحفة مر الطفل وأمه بجانب أطيب انواع فروج بروستد وفروج مشوي كتبت لي صدقينني رأيت لعابه يسيل وهو يرجوها أن تشتري له فروجاً بروستد ويستعطفها بأنه جائع ويستحق القليل من الدلال بعد رهاب مشافي الدولة ، كتبت لي.. بتعرفي أتمنى الموت وجدت نفسي أنقاد لرغبة حبيب قلبي وأردت أن أفرحه وأشتري له فروج بروستد وافتكر أخته في الحفة قال سيطعمها معه ، سألت عن سعر الفروج قال البائع ( 15 ألف ليرة سورية . أي أن راتبي يشتري فروجين قلت له : لا لن أشتري فأخذ يصرخ بشكل هستيري أرجوك انتبهي أخذ يصرخ كالمجانين ولا يبكي وكأن الهستيريا تعدي فإنهلت عليه ضرباً دون أن أعي أي جنون أصابني أنا التي لم أضرب أولادي كفاً ! أي جنون مختبىء داخل روحي جعلني أنهال ضرباً على حبيب قلبي الذي خرج لتوه من المشفى بعد أن كاد يموت من نوبة ربو . وسألتني إن كنت أوافقها أنها حقيرة ولا تستحق أن تكون أماً وأنها تعاني عذاباً لا يرحم لدرجة أنها أخذت تضرب نفسها بوحشية لتعاقب وحشيتها مع طفلها .

( صفر خوف ) يا للمهزلة في سوريا لا نقبل إلا بالكمال ، الكمال في شح الراتب ، الكمال في الجوع ، الكمال في الموت بكورونا ( سوريا الوحيدة غير مبالية بكورونا ولا تهتم باللقاح ) والأهم الكمال من الخوف ، والناس تلجأ لتزوير مشاعرها وبأن كل شيء لا بأس به وبأن ما تمر به سوريا مؤامرة كونية وشدة وتزول لكن الكل يحسد الموتى لأنهم ماتوا .

السوري لا يجرؤ حتى أن يقول بينه وبين نفسه ( صفر خوف ) بل يؤنب نفسه ويتهمها بالإستهتار إذا تجرأ وكتب أنه يعيش في الظلام . وفي تاريخ 13 -2 -2021 كتب شباب حزب البناء والتغيير في سوريا رسالة أنقلها حرفياً : ( بناء إلى طلبكم بخصوص تنظيم وقفة إحتجاجية في دمشق أمام مبنى رئاسة مجلس الوزراء وذلك بتمام الساعة الثانية عشرة ظهراً احتجاجاً على السياسات الحكومية التي يُعاني جراءها المواطن السوري .

قررنا عدم الموافقة – للإطلاع والعمل وفق المضمون – محافظ دمشق المهندس عادل العلبي)

مرحبا ( صفر خوف ) ربما سيادة المحافظ يخشى على المتظاهرين من البرد أو كورونا أو المندسين أو الجرائم حيث ارتفعت نسبة الجرائم بشكل فظيع في سوريا ،جرائم ليست بسبب الفقر وحده بل بسبب القهر من وجود فئة فاحشة الثراء تتباهى بثرائها ( أثرياء الحرب ) مقابل 80 بالمئة من الشعب السوري ( شعب طابور الخبز . وقد عرض أحدهم فيديو لعيد ميلاد طفلته وعمرها 3 سنوات محتفلاً بعيد ميلادها الذي كلفه 50 مليون ليرة سورية . القهر يذل أكثر من الجوع ويقول يونغ عن الفقر والجوع ( جوع الذل ولا يستعمل تعبير جوع المعدة )

وكي لا أتهم بالتنظير سأحكي حادثة ( صفر خوف ) فذات يوم أظن في 2014 كنت أمشي في شوارع اللاذقية ( أرملة الساحل السوري أتأمل كم صارت قبيحة وقذرة ومهملة ، وتلال القمامة وجعير المولدات الذي يدفعك للهستيريا وتصحر المشاعر البشرية وقسوتهم وجفائهم في التعامل مع بعض، فكما احترقت الغابات احترقت المشاعر الإنسانية وأصابها التصحر . لمحت لافتة تعبر الشارع ، لافتة في كل الشوارع مكتوبة بلون عريض فاقع ( إنه الأسد أيها الحمقى ) وطاش صوابي من القهر كما لو أن أحداً أوقفني في الطريق وشتمني وقال لي أنت حمقاء !

ما غاية تلك العبارة إنه الأسد كلنا نعرف، لكن لماذا إهانة شعب. مرمرته الإهانات بكل أنواعها . لماذا تقولون عن شعب سوريا أنه أحمق . أي ذل هذا ؟ أي كره فاقع لهذا الشعب الصابر صبر الجبابرة ؟ ولماذا الإهانة والتهديد ( أيها الحمقى ) . وحين كتبت تلك العبارة على صفحتي على الفيس حظرني أكثر من مئه صديق فيسبوكي وأصدقاء حقيقيين ولم يتصل بي إلا صديق لا أعرف إن كان شامتاً أم متعاطفاً معي أو يغار من جرأتي وقال: استعدي سيستدعونك خلال يومين . شعب مئة في المئة خوف بارع في التنبؤ . .

شعر الحياة في سوريا : ماشي الحال لكن نيال اللي مات وارتاح .

*خاص بالموقع