هيفاء بيطار: ظلم مُقنع بالعدالة

0

يا سلام على العدالة في عالمنا العربي ، تحديداً العدالة الخاصة بالزوجة ، فالقضاء في عالمنا العربي و( للأسف ) الكثير من المثقفين والمُدعين أنهم يدافعون عن حقوق المرأة هللوا وإبتهجوا لصدور قانون عظيم وهو : يتم سجن الرجل إن لم يخبر زوجته الأولى أنه سيتزوج عليها ، أول ما قرأت الخبر فرز خيالي صورة رجل يضع مسدساً في صدغ زوجته ويقول لها : مش موافقة على زواجي !

وطبيعي يكون جوابها موافقة إن لم تبارك له أيضاً ، ويقول القانون أيضاً أن عليه أن يدفع نصف ما يملك للزوجة الأولى في حال قرر الزواج من امرأة ثانية ( على أساس رجالنا العرب أوناسيس أو بيل غيتس ) ، هذا أكبر تحقير للمرأة – الزوجة الأولى – لأنه لا يخفى على أحد أن الرجال هم من يسنون قوانين الأحوال وبأن بإستطاعته تحويل حياة زوجته إلى جحيم حتى توافق على كل شروطه وتتنازل عن كل حقوقها لتتقي شره .

أنا واثقة أنه لن يتم سجن أي رجل إذا لم يخبر زوجته الأولى أنه سيتزوج عليها ، لأنها ستوافق حين يهددها بألف سبب وسبب وأنه قد يتبع كل الأساليب لتلفيق تهم الإخلال بأخلاقها وسلوكها وأعرف رجالاً كانوا يرشون بعض الأطباء النفسانيين للحصول على تقرير أن زوجتهم مجنونه ، الأطراف غير متكافئة في هذا القانون فالزوجة الأولى الأم والعاملة ( قد لا يكون لديها مصدر رزق ) ستوافق لأنها بوضع الضعيف وبوضع من لا تجد من يدافع عن حقوقها ويحترم مشاعرها وكرامتها ، ستقبل لأنها الطرف الأضعف ولأن كل القوانين الدينية وقوانين الأحوال الشخصية لصالح الرجل .

المرأة في القضاء العربي لا قيمة على الإطلاق لكرامتها ومشاعرها ، يرغب زوجها أن يمتع نفسه بالزواج من امرأة أخرى يخبرها مبتسماً منتصراً عارفاً أن كل القوانين معه وكلامه مبطن بتهديد واضح : إياك أن ترفضي وإلا أحول حياتك لجحيم وهو يقدر تماماً أن يحول حياتها لجحيم ، وإحتقار المرأة يكون بتعويضها مادياً أي يعطيها الزوج نصف ما يملك في حال قرر الزواج من امرأة ثانية !!! ومعظم رجالنا العرب فقراء ، وتعدد الزوجات أكثر ما يكون في المناطق الفقيرة ( هذا مالمسته شخصياً خلال عملي ربع قرن في المشفى الحكومي الوطني في اللاذقية ) فلطاما أصبت بالذهول من مراجعة شابتين العيادة العينية مع كل منها طفل ويتبين لي أنهما ضرتين تسكنان بيت واحد وأحياناً غرفة واحدة .

النظرة الإجتماعية للمطلقة مُهينة جداً فهي تعني الفشل ويُنظر لها أنها امرأة سهلة يمكن غوايتها من قبل كل رجل يرغب بنزوة مع مطلقة ، لذا تفضل العديد من الزوجات تحمل ما لا يطاق من أزواجهن كي لا يُصبحن مُطلقات خاصة إن كانت الزوجة لا دخل ،لنفرض أن الرجل مقتدر مادياً ويستطيع دفع مبلغاً كبيراً ( تم ذكر نصف ما يملك لزوجته الأولى ) فهل الزواج صفقة مادية ! ألا يقيم أحد وزناً لجرح كرامة تلك الزوجة الأولى التي وهبت روحها وكيانها لزوجها وأسرتها ؟ هل تُقاس كرامة المرأة بمبلغ مالي !! أما كرامة الرجل وشرفه فيبلغان حد ارتكاب جرائم شرف دون أن يُعاقب عليها لأن شرفه أهين !!! ولماذا لا يكون شرف كل إنسان ( امرأة أم رجل ) مرتبط بجسده هو !!! لماذا شرف المرأة مرتبط بشرف أب أو أخ أو إبن عم أو حتى جار !!!في مؤتمر حضرته في مكتبة الإسكندرية وكان عنوانه ( حق المرأة في السكن وجرائم الشرف ) وكان مؤتمراً عالمياً إفتتحه ميلان كوتري رئيس منظمة حقوق الإنسان وفوجئت أن تعريف العنف ضد المرأة يكون بضربها ( أي أذيتها جسدياً ) أما تعريف العنف عند الرجل فيكون حين تمتنع زوجته عن واجبها الجنسي معه ( أي العنف ضد الرجل نفسي ) أي أن مشاعره وأحاسيسه مهمة وهو يشعر بالإهانه والقهر والتعنيف حين تمتنع زوجته عن ممارسة الجنس معه ، والدين يجبرها على هذه الممارسة حتى لو لم تكن راغبة فالمرأة ملكاً للرجل أما الرجل فليس ملكها . تمنيت لو أسمع رأياً من قاض أو رجل دين يدين هذا القانون ( أن يسمح للرجل بالزواج مرة ثانية شرط إخبار زوجته الأولى وإلقاء حفنة من المال بوجهها ) !!! بل العكس الكل إعتبر هذا القانون إنتصاراً عظيماً لقضاء عادل ونزيه بحق المرأة .

ثمة إهانة كبيرة لحقوق المرأة واالتي أعتبرت إنتصاراً قانونياً أيضاً هو حق المرأة في خلع زوجها أي تطليقه متنازلة عن كل حقوقها !!!لنفرض أحد العمال في معمل يعمل منذ عشرين سنه تقريباً وقرر رب العمل طرده يحق للعامل قانوناً مبلغاً عن سنوات خدمته ( حق نهاية الخدمة ) لم لا تُعتبر الزوجة التي عاشت سنواتاً طويلة من القهر وعدم التحمل مع زوجها حتى اضطرت لطلب الطلاق أن تُعطى تعويضاً مالياً هي التي خدمت هذا الزوج والمؤسسة الزوجية سنواتاً طويلة ، وحين تطالب بحريتها وبأنها لم تعد قادرة على تحمل هذا الزواج يطلقها زوجها وتخرج من البيت الزوجي بثيابها فقط دون أيه مراعاة لوضعها المادي والنفسي ولظروفها فهي العاقة المتمردة المسترجلة التي تتجرأ وتطلب الطلاق لذا يجب أن تكون مُحتقرة ومهانة وألا تُعطى أي مبلغ .

أستغرب كيف تقبل معظم النساء المسلمات وبعضهن حاصلا على أعلى الشهادات ومتنورات الفكر أن يشترطن في الزواج أن تكون العصمة من حقهن ، الدين الإسلامي الكريم أعطاهن هذا الحق ، لكن من تطلبه تُعتبر متنمرة ومتمردة والأهم يعتبر طلبها إهانة للزوج حتى تصير قصة حياتها مثل الفيلم العظيم ( أريد حلاً ) لفاتن حمامة حيث جرجرها زوجها سنواتاً في المحاكم ولم يطلقها .

إحدى صديقاتي وكانت طبيبة من عائلة راقية جداً وتزوجت زميل لها طبيب بعد قصة حب ورزقا طفلين ثم اكتشفت أنه متزوج سراً ومنذ خمس سنوات من زوجة ثانية طبيبة أيضاً وأنجب منها طفلة ، وجن جنون صديقتي التي كانت تعتقد أن حبهما خالد وصادق إلى الأبد وأقامت الدنيا ولم تقعدها أما هو ( الزوج ) فكان يرد عليها بعبارة واحدة فقط : هذا حقي اسألي الشرع والمحاكم .

من المهين أن نعتبر هكذا قوانين إنصافاً للمرأة وإنتصاراً لها بينما هي قمة في تحقيرها حين تجد نفسها رهينة مجتمع ذكوري يسن القوانين لصالح الرجل وعليها القبول والإبتسام ولو بلعت السكين ( كما قالت لي إحدى الزوجات ) قبلت أن يتزوج أخرى وأنا أشعر أنني أبلع سكيناً لأنها عارفة سلفاً أن المجتمع الذكوري والقوانين معه . لا أنسى رجل الدين الذي قال لي لما رفعت دعوى طلاق : كم هو صعب أن تكوني امرأة في عالمنا العربي .