هيفاء بيطار: الكبت الجنسي في عالمنا العربي

0

بداية من الضروري أن نذكر أن الطب أثبت أن الغريزة الجنسية متساوية تماماً لدى المرأة والرجل رغم أن الكثيرين خاصة رجال الدين وأيضاً بعض الأطباء غير النزيهين والخائنين لقسم إيبوقراط يزورون الحقيقة ويعتبرون أن الغريزة الجنسية للرجل أقوى من الغريزة الجنسية للمرأة ،هذا يبرر للرجل إيمانه وزهوه أنه يحق له أن يكون متعدد العلاقات ومتعدد الزوجات . والرجل المتعدد العلاقات يجد نساء يدافعن عنه ويرغبنه ( الكثيرات يقلن نريد زوجاً لديه تجارب جنسية ويحتقرن الرجل الذي يتزوج دون تجارب جنسية ) أما المرأة فجوهر كيانها وتقديرها وإحترامها في المجتمع وأن تكون مرغوبة في سوق الزواج فهو عذريتها ،

أي أن كل كيانها وشخصيتها وعلمها وإبداعها لا قيمة لها إن فقدت عذريتها بعلاقة حب أو حتى بعلاقة جنسية .ولن أدخل في موضوع شائك وهو تزايد نسبة جرائم الشرف في مجتمعاتنا العربية ، لكن من خلال عملي كطبيبة عيون في مشفى حكومي ( يمثل المجتمع السوري ) كنت شاهدة على حالات مُروعة من المآسي التي سببها الكبت الجنسي . وللأسف الكثيرون يعتبرون الموضوع الجنسي تافهاً ولا يستحق أن يُحكى عنه ، تحضرني فكرة عظيمة في إحدى روايات جاك لندن وهي : الكبت الجنسي يجعل الإنسان ينحدر إلى مستوى حيوان . ويقول سمرست موم في كتابه الهام ( عصارة الأيام ) : الحب هو مستوى الهورمونات في الدم . وهو تعبير رائع وعميق فمستوى الهورمونات الجنسية لدى الفتاة والشاب تكون في أوجها في العشرين أو حتى قبل العشرين بسنوات .

وأزعم أن رواية ( السراب ) للعظيم نجيب محفوظ من أهم الروايات التي كانت سابقة لعصرها ( يومها تقدم بها لجائزة ولم يحصل على الجائزة ) رواية السراب هي تحليل نفسي عميق ودقيق للكبت الجنسي عند الرجل والمرأة ، خاصة أن معظم مجتمعاتنا العربية تعتمد على الفصل بين الجنسين ، رواية السراب تحكي عن شاب جميل ثري خجول يعيش مع أمه بعد طلاق والديه ولأنه يعيش في مجتمع لا يسمح بالإختلاط بين الجنسين فإنه يلجأ للعادة السرية ( التي ظلت الكنيسة وأديان أخرى تعتبرها خطيئة وتربط بها أمراضاً كثيرة جسدية ونفسية ) تعود بطل رواية السراب أن يستمد متعته الجنسية من جسده ، لذا حين قرر الزواج من فتاه أحبها عن بعد لم يستطع أن يمارس الجنس معها لأنه تعود أن تكون متعته الجنسية إنفرادية يستمدها من جسده ولا يعرف كيف يتعامل مع هذا الكائن الغامض الغريب ( المرأة ) .

المشكلة الخطيرة التي يعيشها شبابنا ( فتيات وشبان ) في عالمنا العربي الفتي ( حيث نسبة من هم دون 20 سنة حوالي 70 بالمئة ) هؤلاء الشباب الأشبه ببراعم متفتحة على الحياة وشهوة الحياة لا تنفصل عن شهوة الحب والجنس ، يجدون أنفسهم في مجتمع يخنفهم بشعور الإثم والخطيئة والعار ( الذي يصل حد القتل أحياناً ) ومعظمهم فقراء بحالة بطاله فاقمتها الحروب وكورونا ، ولا يوجد إختلاط صحي طبيعي بين الجنسين ( كنشاطات رياضية وثقافية ورحلات مختلطة الخ ) وهم ضحايا أيضاً هورموناتهم الجنسية بأعلى مستوياتها والتي يعجزون عن كبتها فتتفجر بأشكال مريضة ، لكنها تتفجر فهكذا خلقهم الله ، والماء يفتت الصخر ،والغريزة الجنسية سوف تجد متنفساً لها بأيه طريقة لأنها تماماً بقوة الماء الذي يفتت الصخر .

ورغم الضغوط الإجتماعية والدينية التي تدين وتُجرم الجنس خارج إطار الزواج فإن هؤلاء الشباب يلجؤون للعلاقات السرية ، ولا أنسى الإستنكار الفظيع لسكان اللاذقية ( وبالتأكيد لمدن أخرى ) من إنتشار العشاق في مداخل البنايات وسطوحها أو في الحدائق العامة ليلاً يمارسون الحب بدرجات مختلفة رغم البرد والخوف من الشرطة الأخلاقية ( هكذا يسمونها ) والعديد ممن يعتقدون أنهم حماة الشرف كانوا يتصلون بالشرطة الأخلاقية ليبلغوا عن عشاق يمارسون الفحشاء في الحدائق والأزقة وخلف الشاحنات وعلى سطوح المنازل أو تحت الدرج ، المساكين يمارسون الحب في العراء كقطط وكلاب الشوارع فلا مكان يؤيهم بسبب الفقر وعجزهم عن الإرتباط ، وثمة طاقة كالطوفان تجتاح جسدهم هي الهورمونات الجنسية التي هي أساس الحب ، ومن خلال عملي كطبيبة وككاتبة كان لي الشرف أن أكون موضع ثقة الكثير من الفتيات سمعت قصصاً أحزنتني جداً فبعض هؤلاء الشباب والفتيات لا يجدن الجرأة للغزل أو ممارسة الحب في الخفاء وفي المناطق التي ذكرتها فيلجؤون إلى الكحول أو المخدرات لتخدير مشاعرهم الجنسية والتي مجرد التحدث عنها يُعتبر خطيئة ، وسأذكر مثالين موجعين ومُخزيين لكنني كنت شاهدة عليهما أثناء عملي الطبي فقد

بعقلية المجتمع التي أساسها ( الإثم والخطيئة والحلال والحرام ) وطلب له صورة شعاعية لعضوه الذكري وتبين وجود قطعة معدنية اسطوانية داخل الإحليل وخضع لعمل جراحي لإستخراج تلك القطعة المعدنية التي كان يستعملها لإثارته ولممارسة العادة السرية ، لا أنسى نظرة الألم والشعور بالعار في عيني الشاب حين أكتشف أمره مع أن الطبيب أكد له أن هناك حالات لا تحصى مثل حالته وأن عليه ألا يعنف نفسه ويحتقرها . حالة أخرى كنت شاهدة عليها لفتاة تعيش في بيئة مغلقة لا تختلط إطلاقاً مع الجنس الآخر ، وبدورها كانت تلجأ لطرق عديدة لممارسة العادة السرية حتى أنها ذات مرة إستعملت أداة بلاستيكية إنكسرت في مهبلها وأدت لفقدانها عذريتها وإصابتها بنزيف حاد . أعرف أن الكثيرين سوف يسخرون من هذه القصص ويحتقرون مرتكبيها لكنها إن دلت على شيء فهي تدل على عمق الألم النفسي أولاً الذي يعانيه الشبان والفتيات المكبوتين جنسياً وثقل النظرة الآثمة الدينية والإجتماعية لهم فيضطرون لأساليب تؤيهم نفسياً وجسدياً . ولأن الجنس في عالمنا العربي مسموح ومبارك فقط في الزواج ومعظم الشباب فقراء وعاجزين عن الزواج يضطرون للجوء إلى ممارسات في الخفاء يؤدي إفتضاحهم إلى القضاء كلياً على مستقبلهم ( خاصة الفتاة ) .

وحين كتبت روايتي ( نساء بأقفال ) التي عالجت فيها موضوع العنوسة صدقاً كانت كل النساء اللاتي بحن لي بقصصهن من الواقع ، أكثر رواية آلمتني وأنا أكتبها وأود أن أشكر الفنان العالي الإبداع ( علي فرزات ) الذي أهداني لوحة الغلاف قبل أن أتعرف به ( كان هناك معرضاً للرسم في المركز الثقافي في اللاذقية عام 2009) .

أعتقد أن ما حمسني لكتابه هذا المقال هو التصريح الذي صرحت به دار الإفتاء المصرية : بأن الفتاة التي لم تتزوج في منزلة شهيدة . هذا يعني أن لدينا ملايين الشهيدات في عالمنا العربي ( ارتفاع نسبة العنوسة مخيف في عالمنا العربي خاصة أن نسبة النساء تفوق بأضعاف نسبة الرجال ) وبعض عالمات الإجتماع المشهورات والمدافعات عن حقوق المرأة والعديد من الفنانين ( مثل نور الشريف الرحمة لروحه ) وجدوا أن حل العنوسة هو في تعدد الزوجات . لا أعرف إن كانت السيدة عالمة الإجتماع التي تتنقل من قناة فضائية لأخرى لا تجد مانعاً أن يتزوج زوجها امرأة أخرى !!

ولا أظن أن هناك شابة ترغب أن تكون شهيدة !!ولماذا عليها أن تكون شهيدة !وأكثر كلام أشمئز منه حين تموت فتاة أو امرأة وهي عذراء ولم تتزوج يقولون : المسكينة لم تدخل الدنيا ، عبارة تعني أن الجنس هو الدنيا وهو الحياة والفرح والطاقة وعلاج الإكتئاب .

لا أدعو أطلاقاً للإنحلال الجنسي أو الإنفلات بل أنني أشفق على المراهقين في باريس الذين يمارسون الجنس بعمر مبكر جداً وغالباً تكون نتائجه كارثية على الصعيد النفسي والجسدي ، الطفولة في أوروبا مقدسة أما المراهقين فتعساء لأنهم لا يعرفون لمن يلجؤون يجدون أنفسهم يتمتعون بحرية ليسوا على مستوى مسؤوليتها ، لأن الحرية مسؤولية . ما أتمناه فعلاً أن توجد برامجاًفي مجتمعنا العربي  يشرف عليها أطباء نفسانيين وعلماء إجتماع ورجال دين متنورين لتفهم أزمة الشباب التي تنعكس على حياتهم ومستقبلهم وقد تدفعهم للإدمان والشذوذ والإكتئاب والفشل ، لأن الحزين يكون محبطاً وفاشلاً ، على الدول العربية أن توجد مراكز لإختلاط الشباب والفتيات وأن تساعدهم في تأمين تسهيلات للزواج ( مثل بنوك تعطي قروضاً للشباب ليتزوجوا ) المهم هو الإختلاط الصحي بإشراف إختصاصيين في علم الإجتماع وعلم النفس كي لا تكون الفتاه بالنسبة للشاب مجرد جنس والعكس صحيح . أما دار الإفتاء المصرية التي أفتت أن كل امرأة لم تتزوج فهي في منزله شهيدة . أؤكد لدار الإفتاء أنه لا توجد فتاة ترغب أن تكون شهيدة بل عاشقة لأن طاقة الحياة لا تنفصل عن الحب .

وأحب أن أعيد الفكرة الرائعة في إحدى روايات جاك لندن : الكبت الجنسي يجعل الإنسان أدنى من حيوان .