هل كنّا نفعّل ذاكرة المستقبل؟

0

إبراهيم محمود، كاتب وناقد ومترجم من سوريا

أوراق 19- 20

الملف

الشهادة تمرير لماض معين، عبر حاضر موصول به، إلى مستقبل وفيّ لاسمه.

الشهادة، على صعيد الثقافة، تمثيل من نوع قضائي، تعبيراً عن ذات تنصف اسمها.

تجميل من نوع نفسي، تأكيداً على حيوية مجهول في النفس، يُجاز له الخروج إلى العلن.

مصادقة من نوع عقلي، اعترافاً بأن ثمة رصيداً رياضيّ المقام، يستحق الدفع به إلى الآتي.

هوذا لسان حال الشهادة ذات الدمغة الأدبية، عما يرجع بنا إلى الوراء، وفي الوراء نظر ما إلى الأمام، حيث نكون في عهدة مهرجان عبد السلام العجيلي للرواية العربية. في “نكون” لم يكن هناك ما يصهر الأنوات، ما يلغي المتكلم المخاطب اعتماداً على مشاركته بنصه الأدبي، بشخصه الآخر الذي يعرَف به: كاتباً روائياً، ناقداً روائياً، وذواقة للأدب عموماً أحياناً، بمقدار ما كان التأكيد الحيوي، التلقائي على الفصل بين الأنوات، بين أنا الكاتب وشخصه، حين يطرح من ذاته ما لا يعود ذاتاً، وهي في تجلّيها الرحب المدى، وحين يتم تلقيه صوتاً له وقعه الاعتباري، ممن حضروا، في “غابة الكتابة الأدبية/ الروائية” المضاءة بزخم حضور متنوع.

كان العجيلي اسماً أكثر من كونه اسم العلم الذي يمضي بنا إلى مدينته المستحمة بماء الفرات، ونداوة جغرافيّتها: الرقة، استحق بدعة الاسم: الكاتب المتعدد المواهب، والاحتفاء المقدَّر ضمناً ممن يتنوعون في حضورهم سنوياً، ولأهل الرقة ممن أطعمونا خبزاً ساخناً، وماء قراحاً، وكلاماً أريحياً، بروح الضيافة دون حساب، كما لو أن الكتابة هناك، حين تحضر، تتزيا هكذا من الداخل.

كنا نعيش حيوات تترى، للمدة الزمنية المقررة، نعيش زمن الكتابة، زمن الإصغاء إلى الآخر، لنعيش اكتشافاً يستحيل تجاهل فضيلته في تنمية الروح والتفاعل الروحي، عبر جماليات المختلف طبعاً.

الشهادة التي أنطق ببعض بعض بعض من مناقبيتها، لا تخفي حِداد الروح على ما سلف، وفي عمر لا يخفي وطأة سنينه ومكابداتها، وفي الوقت نفسه، لا أخفي عقارها الناجع في الحفاظ على جانب من الذاكرة المكانية، ونحن نشيد داخلها “جمهوريتنا” طي ظلال أبدية وارفة هي الفن!