في 31 آذار/ مارس 2017، نشرت جريدة “الحياة” اللندنية مقالًا للباحث وعالم الاجتماع العراقي فالح عبد الجبار (1946 – 2018)، يتهم فيه الروائي السعودي الراحل عبد الرحمن منيف (1933 – 2004) بالسطو على مذكرات سجين عراقي، وانتحال شخصيته، في رواية “الآن هنا: أو شرق المتوسط مرة أخرى”، التي صدرت عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر”، في عام 1991.
حمل مقال فالح عبد الجبار عنوان “مذكرات السجين العراقي حيدر الشيخ علي ينتحلها عبد الرحمن منيف ويسقط الاسم”، وجاء فيه أن منيف اعتمد في كتابة روايته “الآن هنا”، وبشكل شبه كامل، على مذكرات حيدر الشيخ علي – وزير المواصلات والنقل الأسبق في حكومة كردستان العراق – الذي سُجن في إيران مطلع ثمانينيات القرن الفائت، ولمدة 6 أعوام، بتهمة التجسس لصالح النظام العراقي.
يقول الباحث العراقي الراحل في مقاله إنه استمع إلى حكاية حيدر واستنطقه: “لحظة لحظة على مدى أيام، وتجمعت الذكريات في أكثر من عشرة شرائط (كاسيت)، بثلاث ساعات لكل شريط. أودعني حيدر ذكرياته لأصوغها في كتاب وقائع، بلا تزويقات، بلا رتوش: الحقيقة العارية”.
ويضيف مؤلف “العمامة والأفندي“: “في مصادفة (سيئة أو حسنة؟) التقيت الروائي الراحل عبد الرحمن منيف (…) حدثته عن (…) حيدر الشيخ علي. التمس منيف أن يطّلع على مضمون تسجيلات السجن. كان هذا خريف عام 1988 (…) لم يُعِد منيف الأشرطة كما وعد، على رغم تكرار مطالبتي. ثم حدث أن توجهت، مع كثرة، إلى المنفى الجديد، لندن”.
ويذكر فالح عبد الجبار أن مضمون القسم الثاني من الرواية “حرائق الحضور والغياب”، منقول: “نصًا عن مذكرات حيدر المسجلة صوتيًا، كما أن هناك موتيفات منها في القسم الثالث. وبهذا اعتمدت الرواية اعتمادًا شبه كامل على ذكريات حيدر”، الذي يقول فالح إنه أصيب: “بما يشبه الصدمة بسبب إغفال ذكر مصدر القصة”.
ويتساءل الراحل عن أسباب إخفاء أو إغفال المصدر: “هل هو الاعتقاد بأن من حق الروائي أخذ كل ما يصادفه، نوع من الاعتقاد بامتلاك الأشياء بمجرد أن يقع بصر المرء عليها؟ أم الاعتقاد بأن تحرير المادة فنيًا يلغي حق انتسابها إلى الآخر؟ أم هو إغفال غير مقصود؟ أم هو إقصاء لهوية الشيوعي بدافع التحزّب؟ لقد رحل منيف ولن نعرف جلية الأمر”.
ويختتم فالح عبد الجبار مقالته بالإشارة إلى أن ما دفعه إلى نشر مقالته هذه، هو اتصال حيدر الشيخ علي به وتذكيره بمحنته في السجن، ومحنته في سلب هويته وتجربته.
حيدر الشيح علي: أنا بطل “الآن هنا”
أكد حيدر الشيخ علي ما جاء في مقال عبد الجبار، وقال في تصريحات صحافية إنه بطل رواية “الآن هنا” الذي عبّر ضمنيًا عن شيء من عذاباته داخل السجون الإيرانية. وشدد في حديثه على أن الغاية من إثارة الموضوع ليست الشهرة أو النيل من منيف، وإنما استعادة الأشرطة لتفريغها ونشرها في كتاب يوثق ما تعرض له.
ردّت سعاد القوادري، أرملة عبد الرحمن منيف، على مقال فالح عبد الجبار وتصريحات حيدر الشيخ علي، بوصف ما حدث بأنه متاجرة برواية “الآن هنا” لتحقيق غايات أكبر من قصدهم وكلامهم عن الحقوق. وأكدت أن لا علاقة للرواية بمذكرات حيدر، الذي ترى أنه يناقض نفسه حين يؤكد أنه بطل الرواية، ثم يقول إن منيف لم يتناول عذاباته ومشاهد تعذيبه، وأنه أغفل الكثير من الأحداث والتفاصيل المهمة.
ونفت القوادري أن يكون فالح عبد الجبار قد طلب منها الأشرطة، التي تقول إنها 5 أشرطة مدتها 5 ساعات، وليست 10 كما ذكر عبد الجبار. كما أكدت بأن حيدر زار عبد الرحمن منيف بعد نشر “الآن هنا”، ولم يتحدث عن المذكرات أو الرواية خلال زيارته. واعتبرت أن الغاية مما فعله الباحث العراقي، هو إرضاء بعض الأطراف والدول على حساب الآخرين.
ردود الفعل
أثار مقال فالح عبد الجبار جدلًا واسعًا في الأوساط الأدبية والثقافية العربية. فبينما أيد البعض خطوته، واعتبرها محاولة لرد الاعتبار لحيدر الشيخ علي، قام البعض الآخر بربطها بالتوترات والحروب الطائفية التي تشهدها المنطقة، واعتبر أنها جزء من الهجوم الذي تعرض له الروائي السعودي بسبب مواقفه السياسية، ودفاعه عن حق الإنسان العربي بالحرية والكرامة، وأن الغاية منها هو النيل من منيف وروايته.
*الترا صوت