هلا قصقص: أول مقهى في العالم افتتحت في دمشق

0


عندما خطر لبعض الدمشقيين في النصف الأول من القرن السادس عشر الاستفادة تجارياً من الطلب المتزايد على احتساء القهوة لدى ظهورها كمشروب اجتماعي، وقاموا ببيع القهوة للجمهور في مكان عام استقطب العامة خارج خصوصية المنزل، لم يخطر لهم آنذاك بأنهم مقدمون على خلق مؤسسة اجتماعية جديدة ستحدث تغييراً جوهرياً في البنية الاجتماعية والعمرانية للمدينة التقليدية، وستؤسس فيما بعد لفعالية اجتماعية محورية في الفضاء العمراني الجديد للمدينة الحديثة، بالإضافة لتحفيز مجموعة من الممارسات الاجتماعية الدنيوية الجديدة المرافقة لها.

هؤلاء الدمشقيون كانوا مدفوعين برغبة مادية وخبرة تجارية من حالة اجتماعية معاشة، وليس بمشروع فكري للتغيير، ولكن مبادرتهم ما لبثت أن حازت على شعبية واسعة، وأخذت أبعاداً فكرية وثقافية ودينية. واليوم بعد أن أصبح المقهى عنصراً أساسياً من النسيج العمراني المألوف للمدينة الحديثة، لا يخطر على بال أحد عند الجلوس في المقاهي لاحتساء القهوة، كما يذكرنا ابن خلدون، أن لهذه الحالة الاجتماعية الطبيعية والمألوفة تاريخاً طويلاً وحافلاً، وصراعاً دينياً-اجتماعياً عريضاً وعنيفاً، كما لا يخطر لهم مرارة المعاناة الاجتماعية التي صاحبت تطور هذه الظاهرة الجديدة في المدن العربية والعثمانية على مدى ثلاثة قرون من الزمان، قبل أن يتقبلها المجتمع كممارسة اجتماعية مألوفة ومطلوبة، ويخصص لها عنصراً عمرانياً أساسياً في المدينة.

وتشير الدراسات التاريخية إلى أن ظهور أنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في فضاء المدينة العام في العالم العربي/الإسلامي قبل ظهورها في أوروبا، حيث ظهرت في النصف الأول من القرن السادس عشر محالّ عامة تجارية لخدمة شرب القهوة. ويرجح أن ظهور المقاهي في دمشق كان النصف الأول من القرن السادس عشر، ولكن صدور عدة فتاوى من الفقهاء بتحريم شرب القهوة أدى إلى حظرها في 1546م، استجابة لقاضي القضاة محمد بن عبد الأولالحسيني، أتى دمشق في عام 1545م. إلا أن العثمانيين سمحوا بشربها بعد فترة وجيزة، وتضاعفت أعداد المقاهي بسرعة في مدينة دمشق، ووصلت إلى إستانبول في زمن السلطان سليمان القانوني. وفي عام 1554م فَتح أول مقهى في إستانبول رجلان من بلاد الشام، الأول من حلب والآخر من دمشق. وكانت المقاهي محالّ جديدة لم يسبق لها مثيل في الغرب، الذي عرف المقاهي في منتصف القرن السابع عشر. وأول مقهى فتح في لندن كان في الخمسينيات من القرن السابع عشر.

تشير الدراسات التاريخية إلى أن ظهور أنماط من الفعاليات الاجتماعية المرتبطة بشرب القهوة في فضاء المدينة العام في العالم كان في دمشق قبل ظهورها في أوروبا، حيث ظهرت في النصف الأول من القرن السادس عشر محال عامة تجارية لخدمة شرب القهوة، ويرجح أن ظهور المقاهي في دمشق كان في النصف الأول من القرن السادس عشر.

ذكر العديد من المؤرخين في القرن السادس عشر وجود المقاهي بكثرة في دمشق، وهناك إشارة واضحة لدى الغزي تفيد بوجود “بيت للقهوة” في محلة السويقة بدمشق قام بفتحه وبيع القهوة فيه الشيخ محمد اليتيم العاتكي الشافعي الصوفي قبل سنة 976هـ/1568م،  كما تكشف المصادر عن قيام الوالي درويش باشا ببناء “بيت للقهوة” في جوار السوق الذي أنشأه سنة 980هـ/1572م بدمشق قرب الجامع الأموي، وذلك في إطار وقفه الضخم الذي اشتمل على حمام وقيسارية وجامع. وهناك مكان معد لطبخ القهوة في سوق السباهية أو سوق الأورام الذي أضيف سنة 983هـ/1574م إلى الوقف الضخم الذي أنشأه الوالي أحمد شمسي باشا خلال وجوده في دمشق (985-962ه/1550-1554م)

وفي السنوات اللاحقة قام الوالي مراد باشا (ت1020هـ/1611م) أثناء وجوده بدمشق (1001-1004هـ/1592-1595م) ببناء مقهى في جوار السوق الذي أنشأه عند باب البريد ضمن وقفه قرب المسجد الأموي.  وتدل وثيقة تحمل تاريخ العام 1004هـ/1596م على أن والي دمشق سنان باشا أوقف ثلاثة مقاهٍ على منشآت دينية، والمهم في هذه الوقفية أنها تحدد موقع بيت القهوة الأول في سوق العمارة والذي لايزال موجوداً في دمشق، والثاني في سوق السنانية، بينما أنشأ الثالث في خان عيون التجار، الذي كانت تقصده القوافل لأهميته التجارية لأنه كان يفترق منه الطريق القادم من دمشق إلى اتجاهين: القدس جنوباً ومصر غرباً. ومن مقاهي القرن السادس عشر، بيت القهوة الذي شيّده عبد اللطيف بن محمد محب الدين ابن أبي بكر (ت1023هـ/1614م) خارج باب السلام، ويشير المحبي إلى أحد المقاهي التي مرّ بها وشاهدها قائلاً: “ومما اتفق لي أني كنت ذات مرة جالساً بالمكان المعد لبيع القهوة المسمى بالقهوة الجديدة تحت قلعة دمشق..”

ويلاحظ أن كل هذه المقاهي الأخيرة قد أُنشئت في إطار الأوقاف الجديدة، وهو كل ما يؤكد في حد ذاته على مدى انتشار القهوة والإقبال على المقاهي، فالوقف بطبيعته كان يحتاج إلى منشآت تدر عليه الدخل (خان، حمام، مقهى.. إلخ) لتغطية النفقات التي تحتاجها المنشآت الأخرى (الجامع، المدرسة، المكتبة.. إلخ). ومن هنا فقد أصبحت المقاهي بعد انتشار القهوة وازدياد الإقبال على الأماكن التي تقدمها تمثل بالنسبة للوقف استثماراً جيداً من خلال تأجيرها. ويمكن ترتيب تسلسل تاريخ ظهور المقهى الشعبي في دمشق استناداً لما سبق كما في الجدول التالي:

 اسم المقهىمؤسسهالموقعالهجريالميلادي
1مقهى محمد اليتيممحمد اليتيمالسويقة9761568
2مقهى الدرويشيةدرويش باشاالدرويشية9801572
3بيت القهوةأحمد شمسي باشاسوق الأروام9831574
4مقهى المراديةمراد باشاباب البريد10021593
5مقهى السنانيةسنان باشاسوق العمارة10041596
6مقهى السنانيةسنان باشاسوق السنانية10041596
7مقهى السنانيةسنان باشاخان عيون التجار10041596
(تلفزيون سوريا)

المصادر:

  • نجم الدين الغزي الدمشقي، لطف السمر وقطف الثمر من تراجم  أعيان الطبقة الأولى من القرن الحادي عشر، تحقيق: محمود الشيخ، منشورات وزارة الثقافة، دمشق، سورية، 1993.
  • [1] نجم الدين الغزي، الكواكب السائرة بأعيان المئة العاشرة، تحقيق: جبرائيل جبور، دار الآفاق الجديدة، بيروت، لبنان، 1979.
  • [1] سوق الأورام: سوق الحميدية
  • [1] عبد القادر بدران، منادمة الأطلال ومسامرة الخيال، دار البشائر، دمشق، سورية، 1940.
  • [1] Jean-Paul Pascual, Café et Cafes A Damas, Berytus, Bierut, Lebanon, 1995
  • [1] محمد الأرناؤوط، معطيات عن دمشق وبلاد الشام الجنوبية في نهاية القرن السادس عشر، دار الحصاد، دمشق، سورية، 199