كاميران حرسان، شاعر ومترجم كردي سوري مقيم في السويد
مجلة أوراق العدد 13
شعر
هالاتٌ
القمرُ وإن كانتْ هالتُهُ حمراء.
الثلجُ وإن كان الدمُ يسيلُ في عروقهِ
في جسدهِ البضِّ حاجةٌ تَرْوي تعطُّشا ًلهُ
فبِه تُسقى أمجادٌ وتُطْفَأ نيران
وتُمَدُّ الأسمطةُ، وتُبْرمُ الصفقاتُ حتى تُثبَّتَ العروشُ.
آهٍ أيّتها العروشُ الفَاغِرةُ
يا الكراسي الشاغِرةُ
الأرائكُ المُمدَّدةُ والطنافسُ حولها
مقاعدُ مُرِيديك .!!!
…
لستُ مَنْ يعبدُ ناراً شَبَّت في ظُلُماتِ نفسي صدفةً بل مَنْ يوَدُّ حجبها
وإن أدهشتْ ألوانُها الساحرةُ، أنوارُها النائيةُ العابرينَ
تسبّبَ وقدُها بإحراقي.
أحرَقت قلبي بدايةً ثم تَدَبَّرتْ مواجعَ لروحي
لَفَّقتْ فنائي
جفاءٌ ليَ مع الحياةِ
في الحياةِ مُغرِضٌ؛ أليمٌ يَعْبَثُ بالسديمِ المُسَجَّى بالهدوء.
تهمةٌ ابتَليتُ بها، نقمةٌ أَحكمُ بها نوازعي،
حجّةٌ تواجهُ رغباتي، نقائصي التي ادَّخرتُها
سأسَدِّدُ بها نقْمَتي إلى عينِ المرارةِ الملساء
أفقأُ بها فقاقيعَ كَبْوَتي وأُغْرِقُ خضوعي.
حينما أثورُ أغدو قرقعةً في السماءِ
غيوماً ثقيلةً
شجرةً محترقةً على الأرض، فأشجاراً كثيرةً حولها تحترق.
لستُ أدري لِمَ تحترقُ؟!!
لعلَّها كانتْ عاجزةً عن الهروبِ من مصيرها الحارّ المُنير
عن القَفْزِ من موطنها فوقَ كلِّ هذا الدفءِ إلى صَقيعِ الغربة.
في هوَّةِ الضياعِ هذهِ!
عثرتُ على وطني، مُخضَّباً بالدمِ، مَصلوباً
لكنّه حيّ.
في قلبهِ قلوبٌ؛ تَخْفُقُ راياتُ الحُبِّ الذائبةِ
وأفئدةُ الأطفالِ المُجَنَّحَةِ
ما برحتْ تحومُ مثلَ قلبٍ كبيرٍ
ينبضُ في صدري.
حلاوةٌ في النفسِ تدومُ، تدورُ، تجولُ، تتواثبُ، تقطرُ، تَهْبِطُ من غصنٍ إلى غصنٍ
حمائمهِ التي تَفرَّقَت، لم يَزلْ فؤادي يطيرُ بها إلى ما كانَ
مُتَنقِّلاً في جنانِ ذاكرتهِ كطَيرٍ دفَّأتهُ الشمس.
فغرَّدَ.
***
رضيعٌ يبتسمُ لأمهِ نصفِ النائمة
السعادةُ عدالةٌ مطلقةٌ
فَراشةٌ زرقاء في سماءٍ زرقاء وهي بجعةٌ سوداءُ في سربٍ أبيضَ،
رضيعٌ يبتَسِمُ لأمّهِ نصف النائمة .
هي أيضاً الشمسُ حينَ تُشرِقُ بينَ شَفَتي سحابةٍ أغرقت الليلَ بالدموع.
وهي دوحةٌ وارفةٌ في العراء،
جدولٌ مُتعَبٌ، غائصٌ بينَ الرمال،
واحةٌ مَخفيَّةٌ في قلبِ الصحراءِ؛ والجِمالُ التي تشربُ منها أيضاً والأطيارُ التي تُغَرِّدُ بينَ أشواكها والصبّارُ الناضجُ وكذا الظباءُ التي تتوافدُ إليها فالوحوشُ .
السعادةُ هي الوحوشُ؛ السعادةُ هي قَنائِصها؛ شجرةُ تينٍ بَرِّيٍّ تنموعلى شفا هاوية،
تميلُ بأفنانها المثقَلةِ، بصدرها الرؤوم على البؤسِ فتملأ فمهُ الفاغر ثماراً.
السعادةُ بالنسبةِ لهُ ثِمارُها، عدالةٌ تمنحُ الحياةَ والموت، الراحةَ والتعبَ، النومَ والأرَقَ…
السعادةُ قريةٌ صغيرةٌ على مُنحَنى،
دلوٌ مليءٌ بالماء،
جرَّةٌ مُكبَّلةٌ إلى سريركَ الصيفيّ،
سلّةٌ معلَّقةٌ في ذاكرةِ الغرفةِ الشاردةِ خَلْفَك،
سفرٌ، طريقٌ دؤوبٌ يميلُ على هوَّةِ الليلِ الفسيحةِ ناثراً في سمائها النجوم؛
بينَ الفجوةِ الكبيرةِ ما بينَ الواقعِ والحلمِ، بينَ الحقيقةِ والوهمِ، تحومُ طيورٌ، نسورٌ مزيّفةٌ فوقَ طرائدَ وفيرةٍ لا تُرى في وادي الحياةِ السحيق.
نراها حينَ نتمعَّنُ مَليّاً في الشيءِ، نتفرّسُ في وجهِ المخفيِّ في الظّلِ والمتَخفّي بهدوءٍ بينَ الشروخِ وتحت أضلعِ الوردِ وجذورِ العشبِ المسترسلِ مروجاً
فوقها أخطامٌ، عيونٌ و آذانٌ فأقدامٌ متخبِّطةٌ تطأ الشيءَ دونَ تمييز.
السعادةُ أن تطأ دونَ تمييز.
***
مزمور
ما أجملَ الشمسَ التي تنامُ في حضنِ القمرِ.
ما أجملَ القمرَ الذي يرفع رأسهُ من حضنِ الحلمِ ويبتسم.
والقطّةُ التي لم تزلْ نائمةً على قدميكِ؛
جوارها جرّةُ الماءِ التي ما انفكّتْ تشعرُ بالبرد.