نصان

0

سيبيليا داداي، شاعرة وقاصة سورية

مجلة أوراق- العدد16

أوراق القصة

السيد (X) ورعب التَمثُّل

صورته التي تسيطر على الفضاء العام والخاص تكاد تزهق روح السيّد (x)، ماذا عليه أن يفعل تكاد تفتك بروحه هذه الأوضاع الجنونية، فكر بمغادرة هذه الدائرة المغلقة دون جدوى، لا يوجد نقود ولا سبل تساعده على المغادرة، تعثرت كل السبل لمغادرة هذه البلاد، القفص، كل الطرق سدوها قطاع الطرق، أقاموا دباباتهم وتدابيرهم الأمنية الرهيبة على جميع نقاط العبور، وأغلقوا الطرق البحرية بالأنواء والعواصف، كيف سيتكيف السيد (x) مع هذا الوضع الشائك، يعلم كل الأمور الرهيبة التي خاضوها هنا والتي تحدث في الخارج والداخل وعاصر كل أنواع الرعب هنا، من فقدان الحريات بكل أنواعها إلى فقدان الأمان إلى فقدان الطعام إلى فقدان الدفء، إلى فقدان الوقود و توقف مركبات النقل، إلى إذلال الجموع أمام عينيه وتحويلهم إلى كتل هلامية، أرتال أرتال يقفون في خطوط لانهائية من أجل الحصول على كسرة خبز، أو القليل من السكر والرز، ما يُقيت أود عائلاتهم، أرتال تقف أمام أبواب دوائر الهجرة والجوازات، أرتال أمام النفوس، أرتال في انتظار الحافلات والسرافيس والسيارات التي لا تأتي، أرتال تحاول تصحيح أخطاء البطاقة الذكية التي اخترعوها للسيطرة على قوت الناس ووقودهم، أرتال تحاول تصحيح أخطاء الاستبعاد من الدعم الحكومي الكاذب، الكل مضطر للانصياع خافض الرأس، يتلمس طريق عودته للبيت للانهيار على عتبة داره، إن كان هناك دار، عدد كبير من الناس ينهارون في الشوارع، حيث الزي العسكري يغزو العين أينما نظرت هذه العين، كأن الجبهة انتقلت منذ وقت طويل إلى الداخل، وكأن المواطنين هم الأعداء المفترضون للدولة العتيدة التي لم يتبقَ منها سوى الهيكل المهشم، مراقبة السيد (x) إذلال الطبقات المتعددة لبعضها البعض، والعنف الذي خرج من الناس لم يكن مفاجئ له الآن، نتيجة العنف الممارس عليهم على مدار ساعات اليوم، كاد يصاب بالجنون كيف حدث هذا؟ ومتى وصلت الأمور إلى هذا الحد؟

لكن كل التغولات التي كانت تحدث في الشارع لم تكن تستفذه كما كانت تستفذه تلك الصورة لذلك الرجل الذي يلبس ثياباً في منتهى الأناقة والمختارة بعناية فائقة وابتسامته الغريبة وأذنيه الدقيقتين وأنفه الطويل الغريب، صورته الأنيقة اللامعة هذه كانت تلاحقه أينما ذهب، كيف يمكن لصورة كهذه أن تبقى لامعة نظيفة إلى هذا الحد وسط هذا الخراب والجوع، تحمل السيد (x) كل شيء سيء، البرد القارس، الجوع، جميع أنواع الإذلال الأخرى، لكنه لم يستطع تحمل هذه الصورة الأنيقة، كانت أبشع اللحظات تلك اللحظة التي استيقظ فيها هلعاً من النوم إثر كابوس رهيب للغاية، كان كابوسه بسيط للغاية، لكنه كان عنيفاً للغاية أيضاً بالنسبة لسيدٍ حساس مثله، لم يتمكن رغم كل الشروط اللاإنسانية التي يعيشها أن يتخلص من حساسيته تلك، كان كابوسه بسيطاً للغاية وهو أنهم  قيدوه ووضعوه في غرفة صغيرة مثبتين رأسه باتجاه واحد، باتجاه هذه الصورة الأنيقة العملاقة، وكان عليه أن يعيش لحظاته البطيئة المميتة مع هذا الأنف وهذه الابتسامة البلهاء وهذين الأذنين الدقيقتين، العينان لم تكونا مهمتان أبداً، داخل الصندوق لم يكن مهماً أبداً بل شكله الأنيق، الأناقة التي تغلف البلاهة الرهيبة، أكثر ما يرعبه في كل هذا الأمر هو أن يتمثلَ هو هذه الصورة الرهيبة التي تجدد شبابها من دماء أخوته وأحبته، فعلى مر الأيام المنصرمة لاحظ وهو يراقب الناس تحول أعداد كبيرة منهم شيئاً فشيئاً إلى نسخ باهتة من هذه الصورة، قلبه كاد يتوقف وهو يرى هذه الصورة الأنيقة تبتلعهم جميعاً، صرخ وهو يقفز من سريره، وثيابه مبللة بالعرق، وعروقه تنتفض، وقلبه المريض يهرول مسرعاً، …إنه حلم … لا إنه حلم …… لا إنه حلم فقط؟!      

    

أنشودةٌ للكائن المستبد

استهلال

مرحباً أيها

الكائن الأعلى المشوه

مرحباً أيها المخلوق البشري الهجين

أيها الكائن الصلد الكتيم، كالفولاذ، لا كالصخر الذي يمكن أن تنبثق منه أحياناً مياه الحياة.

أيها الكائن الأصم، لأن الإنصات يعني أن هناك آخرون!

صوتك المعدني الحاد يلغي الأصوات جميعها، هناك دائماً الصدى وفقط الصدى، لكلماتك السوداء الخرقاء.

أيها الطفرةُ البشريةُ عن الطبيعة، منذ فجر التاريخ تتلون، تتلاعب، تتبدل، تتغير، لكن أُسكَ واحدٌ ونُسغكَ المعدني الأزرق البارد كصوتك لايزال لزجاً!.

كيف التَحمت كل عيوب النفس البشرية عبر التاريخ لتخلقك، وتُنتجَ عجرفتكَ الفارغة!. أيها الكائن الخرافي ذو الرؤوس السبعة.

الجائزةُ العظيمةُ لسلالةٍ من المتحوراتِ والشطحاتِ والشذوذات تضخمتْ لتُنتجك، بينما الرؤوسُ البشريةُ الأخرى المهددةُ بالقطعِ، الهلعةُ من المقصلةِ، تميلُ نحو الأرض، كتلٌ مائعةٌ رجراجةٌ تنظرُ باندهاشٍ أثناءَ سلبها قدراتها البسيطة للمحاكمة.

 يملأ هذا الكائنُ الرغوي الدموي الفضاء، يقتلُ كلَ خيطَ نورٍ آتٍ من الشمس يتضخمُ في الفضاءِ ثم يتسربُ ليتضخم داخلَ الأدمغةِ، قاتلاً كلَ خلايا المنطق.

الأنابيبُ المشبوهةُ الممدودةُ من كتلِ المصالحِ الأنانيةِ السوداء الضخمة، تغذي الكائن الملعون، الوليدَ الشرعي للإقصاءات عبر تاريخ البشرية.

الكائنُ المتخم بالدم، الإلهُ المتخم بالواحدية، يسيرُ عكسَ الطبيعةِ، عكسَ الإنسانيةِ، عكسَ المدنيةِ، يعترضُ الطرقَ المضيئةَ، ويضربُ بالحديد والنار، بالحروب.

 كيف نما؟ كيف تضخم؟ وأصبح ماحقاً حارقاً على غفلة من عين الإنسان الرحيمة؟  

عيناه الثاقبتان كالمخارزِ تلاحقنا إينما توجهنا في متحف الخراب هذا!، في المشافي، و المدارس، في الجامعات، و الطرقات، في المصانع، و الورش، في المسارح، في السينمات، صوره،… صوره…  الصورة الميتة للقوة المميتة الباطشة، الصورة الرمز، لا شيء سوى عيناه تلاحقاننا في غرف المعيشة في غرف نومنا، في أحلامنا، الكائن الميت المستبد الضاربُ بالموت.

لكن… لكن… يوماً ما سيصدأ الفولاذ المتغطرس ويعود لعنصره الأصلي، للحديد الطيب، للتربة الإنسانية المضمخة بالأرواح الحرة، وهذا الصوت المعدني اللزج سيتحلل ويتلاشى وستهلل الأصوات العميقة المختلفة والملونة للشمس، للهواء النقي، وللحرية.