نسرين النقوزي: مساعدات سرّية للناجيات من الزلزال

0

استوقفني بدهشة أحد المنشورات التي تطلب المساعدات للمتضررين من الزلازل. كان طلباً من إحدى الناجيات، تطلب إدراج الفوط الصحية ضمن لائحة الاحتياجات الأولية المطلوبة سريعاً في ظل هذه الأزمة، وتشديدها على إعطائها للنساء بطريقة سرية من دون إحراجهن.

يا ويلي علينا! قلت في سرّي… كل هذه المآسي والكوارث، التشرد، الجوع، والدماء.. ونحن نخجل من دورة المرأة الشهرية!

لا ولن أعتب على المرأة صاحبة المنشور. فهي واقعية جداً، وابنة هذه البلاد بعاداتها وأفكارها الهرمة، وتوجّه طلبها إلى عامة المتبرعين، حكومات وأفراداً، وهم جميعاً أبناء هذه العادات والأفكار. ربما من حيث لا تقصد لفتت النظر وذكّرت بأن النساء، حتى في أكثر لحظات الحياة صعوبة، عليهن مداراة طبيعة أجسادهن… وطمس الطمث!

أضافت صاحبة المنشور أن نساء بلادنا يخجلن من طرح هذا الطلب علانية، ويخشين أن يعرف الرجال، خصوصاً الغرباء، أنهنّ في فترة الدورة.

وماذا إن عرف الرجال الموعد الذي نزيفنا، بضعة أيام كل شهر؟ يا لهذا السر العظيم! أثارني منشور السيدة للتفتيش عن طبيعة التخفي عند النساء العربيات. هل يختلف الأمر، في هكذا تفاصيل، بينهن وبين نساء الغرب. أحاول إيجاد أول الخيط كي أعرف من أين أتى كل هذا “الحياء”؟ ولماذا ما زلنا نضع الفوط الصحية في أكياس نايلون سوداء تُخفي ما بداخلها؟

أتساءل في داخلي، وداخل المحيط الاجتماعي، لأفهم. ربما يتغير شيء بهكذا تفسير. كيف تجمعت ترسبات التقاليد والأديان، فجعلتنا نحن النساء ننزف بخجل؟ نودع بيوتنا في أحلك اللحظات وهي تنهار أمام عيوننا، ونكفّن أولادنا في طريقهم إلى الخلود، وندعو في اللحظة ذاتها، أن تتحول دماؤنا إلى ماء كي لا ننكشف؟ كي لا يعرف الغرباء في لحظة كهذه ميعاد حَيضنا ومدته..

كبشر ومنذ لحظة الخلق الأولى، كُتب علينا أن نواري عوراتنا. كانت بداية لعبة التخفي يوم اختلى آدم بحواء في الجنة، فكشف الخالق لهما سوءاتهما، كما بينت الكتب السماوية في قصة الخلق. فطفقا يخصفان من ورق الجنة ليداري كل منهما عورته، عضوه الذي وقع في الخطيئة، يومها. ومنذ تلك اللحظة، تعلّم آدم وحواء التخفي، ومن جيل إلى جيل ومع توارث الخطايا، أصبحت اللعبة تتعاظم وصار التخفي وسيلة ناجحة لدفن الخطيئة، ومعها يُدفن العضو الذي كان سببها.

لنُعِد التفكير مرة أخرى: تظهر العادات والتقاليد والأعراف، من داخل بوتقة الأديان، تماماً كالتشريعات. بالأحرى، تخرج من تفسيرات الأديان، والتي تتغير حسب فهم النص المقدس، وحسب أهواء المفسرين أو أهواء “مشغّليهم”. ما يعني أن كل ما أوردته النصوص المقدسة مَرِن ويقبل التفسير الذي يستدعي إنسانية الكائن ليرفع من شأنه، لا ليحط من قدره ويضيّق الخناق حول عقله.

الأفكار المسيطرة تضع المرأة في درجة أقل من الرجل، وتضع المخالفين للإجماع في درجة أقل، وتضع مُفسّري النصوص، المقدّسة والدنيوية الحاكمة، في درجة تعلو الجميع. ومَن هو “تحت”، عليه تسليم أمره لمَن هو “فوق”. هكذا، يكون على النساء، التخفي، وحصر كل ما يدور في عقولهن داخل منطقة معتمة، كي لا يرى “الفَوق” ما يتكدس في هذه العتمة “تحت”. وبالتراكم، تصبح النساء أنفسهن، عمياوات عن تلك الأجساد، الاحتياجات، المشاعر، الأفكار، الطموحات، أو حتى الاختيار.

تنغلق المرأة. تراها تنسى مع الوقت ما تحب وتريد وتحتاج. تصبح، من كثرة ما تخبىء في قلبها، وكأنها بلعت نفسها وبقي منها لسان طويل ونظرات غائبة. ويصبح دورها داخل الأسرة متمثلاً في إسفنجة تمتص كل ما حولها من غضب وصعوبات. عليها دائماً أن تلعب دور الوسيط بين أفراد أسرتها، مجتمعها، أو عملها، في أصغر التفاصيل. كي تمشي الحياة، فقط، بأقل أضرار ممكنة. ومع هذا الدور المُعطى لها، تنسى كل ما يتعلق بها ككيان مستقل، له حاجاته الخاصة به. فكيف الحال إن كان ما تطلبه شيئاً ثانوياً مثل فوط صحية، فيما تتطاير فيه الدماء في كل اتجاه؟! 

*المدن