تتابعُ سرديَّةُ الوجعِ السُّوريِّ حَصْدَ القلوبِ وقَطْفَ حَبَّاتِ العناقيدِ كريحٍ عمياءَ تَثْمُلُ من دمِنا وتَصْحو على رحيلِنا.
سرديَّةٌ تفنَّنَتْ في ضروبِ الموتِ، لم تتركْ سبباً لم تطرقْهُ، ولا بابَ جحيمٍ لم تفتحْهُ، ولا بحراً لم تغرِهِ بقرابينَ. سرديَّةٌ وعدَتْ كلَّ نجمةٍ بروحٍ، وكلَّ موجةٍ بجسدٍ، وكلَّ مهجرٍ بقلبٍ.
روحُ “مَيْ سْكاف” كانت حصةَ نجمةٍ في “باريس”، وكان نصيبُ موجةٍ بين “بودروم وكوس” جسدَ “إيلان”، وكان حظُّ المهجرِ قلبَ “حاتَم”، هناك في مصر التي أحبَّها كفايةَ الانصهارِ في تفاصيلِها فأحبَّتْه كفايةَ استئثارِها حتى برحيلِهِ.
بعد أن عاش حاتَم تغريبةَ الجَوْلانيِّينَ طفلاً عندما نزحَ وأسرتِهِ من “فيق” مسقط رأسه إلى منطقة “الحجر الأسود” على ضفاف دمشق، وَثَّقَ تغريبةَ الفلسطينيين الذين كبُرَ بينهم ووَعى همومَهُمْ عن قربٍ في “مخيم اليرموك”، لكنه لم يكن يعلم أنه سوف يحيا جرح تغريبة السوريين، لم يكن يعلم أنه سوف يكون صيداً سهلاً لآلاف الكاميرات بعد أن جَسَّدَ بعدسته النقية الجرحَ الفلسطيني.
حاتَم الذي اتسعت مخيلته ليبدع العشرات من المشهديات، ضاقت مخيلته عن أن ترى دماً غزيراً في الشارع السوري ” لم أتخيَّلْ يوماً أن تكون سوريا بها أحداث دموية” (الوفد المصرية 5/2/2013).
حاتَم الذي اتسع قلبه لكل من عرفه وعمل معه، ضاقَ قلبُهُ عن نبضٍ آخرٍ يبقيهِ على قيدِ العطاءِ.
“وحاتَمُ
حُمْرَةُ الدَّحْنونِ في الْجَولانِ
ضَوْعُ الفُلِّ في يافا
وهَدْلُ حمامةٍ في الشَّامِ
زَنْبَقَةٌ جِوارَ مُخَيَّمِ اليَرْموكِ
داليةٌ ..
أَبى كانونُ لم يَرْحَلْ
بلا عُنْقودِها الأجْمَلْ”
حاتَم .. لقد دخلْتَ بأحلامِكَ الكبيرةِ دائرةَ النارِ كأيِّ مبدعٍ وَفِيٍّ مخلصٍ لإبداعِهِ، حَلُمْتَ بربيعِ قرطبةَ فجوبِهْتَ بملوكِ الطَّوائفِ، رأَيْتَ الحياةَ فُصولاً أربعةً لكنَّكَ حَيِيتَ خريفاً مليئاً بالأوجاعِ، عَبَقَ لَيْلُكَ الطويلُ بشَغَفِ العُشَّاقِ، فأَهْدَيْتَ للأُنْثى روجَ نَبيذٍ ولدمَشْقَ طوقَ ياسَمين، أَهو دا اللِّي صار يا حاتَم الجميل .. ليس في اليدِ حيلةٌ، لكنَّ رحيلَكَ سيبقى حيّاً بيننا كإِنُّه نْبارِحْ.