كنتُ قد مَرَرتُ بمقهى الروضة بدمشق.. خلال انعقادِ مُؤتمر اتحادِ الكتّاب؛ فرأيتُ طاولةً مثلَ.. قطار “يا رِيل يا بو حَمَد”؛ ومِن حَولِها.. نُخبَةٌ من الكٌتّاب؛ صاحَ بي شوقي بغدادي:
– نجم تعال.. بِدنَا إيّاك ضروري.
أفسَحُوا لي مكاناً.. لأجلسَ؛ كانوا قُرابَةَ 23 كاتباً؛ وقد أخذَهُم جوعٌ شديدٌ.. بعدَ تنظيرٍ فكريٍّ مَدِيد؛ فقال نبيل سليمان:
– يلّا نروح نتغدَّى.. قبل الانتخابات المُبارَكة.
رُحنا إلى مطعمٍ في أول رَبوَةِ دمشق؛ وهناك.. بدأ نِقَاشٌ بيزنطيٌّ؛ عن ضرورةِ إسقاط “ع. ع. ع” في الانتخابات؛ فسألتُهُم عن البديل المُقترَح.
قال أحدُهُم.. بحَمَاسٍ مُنقطِع النظير: – أمين إسبِر.
همَس لي.. نبيل سليمان:
– كان سفيراَ.. وصار كاتباً خلالَ أوقاتِ فَرَاغِهِ الدبلوماسي.
قلتُ لهم: – أنا مُتمَسِّك.. بعلي عَرصَة عَرصَان ؟!.
قُلتُهَا هكذا.. كَمَا أسمَاهُ حسيب كيالي؛ حين طردَهُ “ع. ع. ع” من الاتحاد؛ وكان حسيب من مُؤسِّسِي رابطة الكتاب السوريين عام 1951؛ ومن مؤسسي اتحاد الكتاب ذاتِه؛ ثمّ أخذَ “ع. ع. ع” يُنظِّفُ الاتحاد من الكُتَّاب الكِبَار؛ بَدءاً.. بحسيب وبزكريا تامر؛ وليس انتهاءً.. بسعد الله ونّوس؛ واتركوا لي ” أ. دو. نيس” على جَنَب؛ خلّونا.. بِعُرسَان؛ الذي رَفَعَ مَن حولي كؤوسَهَم لإسقاطِه؛ فلمَّا سألوني رأيي.. بعد كأسِ “الرَيَّان” الثالثة؛ قُلت:
– لن تنجحوا في إسقاطِ عُرصَانِكُم؛ لأنه كما طرد كبار الكُتّاب السوريين؛ قام شخصياً بتنسيب أرباعِ الكَتَبَة إلى الاتحاد.. وبرعايةٍ شخصيةٍ منه؛ وهؤلاء العَرصَات الصِغَار.. يُشكّلُون أغلبية؛ وأنتم أقليّة في الاتحاد؛ وتلعبونَ عكسَ لُعبةِ النظام؛ تُرشِّحُون واحداً من الأقليَّات.. ضدَ أغلبيّةٍ من العَرصَات!.
لم أُكمِل جُملَتي.. حتى هاجَ القومُ وأزبَدُوا؛ واتهمُونِي بالتيئِيس والتَتيِيس.
قال نبيل سليمان: – شو عندك اقتراح.. بديل؟!
قلت: – البطاقات البيضاء.
فانتشر صمتٌ أبيض.. مثل بياض عَرَق الريّان؛ ثمّ قالَ أحدهم:
– شُو؟!.
قلتُ: – تُسقِطون العُرصَان.. رمزياً؛ ب 23 ورقةِ امتناعٍ عن التصويت؛ 23 ورقة بيضاء.. لا أسماءَ فيها.
كَحَّ أمين إسبر.. وتمَلمَل؛ لكنّ أعراضَ كأسِ الريّان الرابع كانت قد أصابت الحشد؛ فوافقوا؛ وتبادلوا الأنخاب؛ قلتُ:
– لم أحضر سابقاً.. أيّ انتخابٍ أو اجتماعٍ لاتحاد الكتاب؛ أذهبُ فقط.. لأحصُلَ على ورقةِ كاتب “عًرض حال” لتجديد جواز سفري؛ لكنّي سأذهب معكم.. هذه المرَّة.
رُحنَا.. كانت الأوراقُ الانتخابية التي تُعطَى لكُلِّ من يُذاع اسمُهُ من جدولِ الحاضرين.. مُرَقَمَةً بالتأكيد؛ بقلم كوبيا “سِرِّي.. مِرِّي” لهُ مِمحَاة خاصّة؛ وتلك طريقةُ كلّ الأنظمة الشموليّة لمعرفةِ مَن قال: نعم؛ ومن قال: لا.
أما الأوراق البيضاء.. فتلكَ مفاجأةٌ لن تخطرَ لَهُم على بال؛ حتى أعلَنت رئيسة الجلسة “كوليت خوري” فوزَ “ع. ع. ع” بأغلبية الأصوات؛ وامتناعِ 3 فقط.. عن التصويت؛ بثلاثِ ورقاتٍ بيضاء. بعد عامٍ.. ابتسمَ لي حسين حموي؛ وأنا أدفعُ اشتراكي السنويّ؛ مُنحنياً بِطُولِهِ الفارغ.. هامساً: – الأوراق البيضاء الثلاث.. لكَ ولِفُلان ولِعَلَّان..ولن أبوحَ باسم الشخصين الذَين امتنعوا مثلي عن التصويت؛ فحتى الآن.. كلّما التقيتُ أحداً من ال 23 كاتباً؛ أخذ يُوحِي لِي: بأنهُ ثالِثُ اثنينِ.. إذ هُمَا في بياضِ الانتخابات العُرصَانيّة الأسديّة!
*خاص بالموقع