من أرشيفي الذي حفظته في ذاكرتي حوارات تمّت مع بعض النّساء المعذبات ، قد أكون إحداهن، لكن لكلّ عذاباته المختلفة. في حواري مع امرأة أتت إلي في مكتبي:
أشكو من النّقص، أشكّ في مقدرتي العقلية . معه حقّ . هو يعرف ما يريد، بينما أنا ساذجة لا أعرف ما أريد. لا. إنني أعرف ما أريد . أريده هو . أريد أن يفهم مسؤوليته داخل الأسرة، أن يحترمني، ويحبّني. كنت أخاف أن يتركني في يوم ما، لو تركني لبقيت في الشّارع مع أولادي، لكنه صاحب حق حتى لو تركني فهو يعرف ما يريد من الدنيا، لقد تركني ، و أنا أستحقّ!
هل ترين الخطأ فيّ؟
هل أنا مجنونة؟
قولي لي بصراحة عن رأيك بي.
قلت لها: أنت إنسانة محترمة . تنفقين على أولادك ، تحاولين أن يصبحوا أعضاء نافعين في المجتمع. لماذا تتأسفين على شخص رفضك ، غادر إلى غير عودة.
-هل أنت مقتنعة بما قلت؟ صحيح أنني أتيت من أجل نفقة الأولاد ، لكن لو لم تكوني محام لما استقبلتني ، لكنت خفت أن أخطف زوجك منك. عاداني الجميع، و أوّل الجميع هو أمي. تنظر إليّ وكأنني أنا السبب في أنني تركته يرحل، تصرّح لي دائماً قائلة:” أنت السبب” ، أنا مقتنعة أنني السبب. لا. لست أنا السبب ، فقد كنت أعمل طوال الوقت لتأمين مصروف الأسرة ، كان عالة عليّ ، مع هذا لم يقبل بي. قولي لي: هل أنا غير ناضجة. هل أنا مجنونة؟ هل سوف يعود؟ أرغب أن يعود، وسوف أقبل بشروطه. لم أعد أرغب برجل حقيقي. رجل فقط حتى لو كان روبوتاً. لم أعد قادرة على احتمال الرّفض الاجتماعي، حتى أولادي ينظرون لي على أني السبب. هم في النهاية يتلقون دروسهم من المجتمع.
قلت لها: توقفي أرجوك! لا تكوني نذلة . لقد غادر، لن يعود. ابدئي من جديد ، حاولي ترقّعي مشاعرك، اضربي رجلك بالأرض، قولي: لن أقبل العيش بذّل ، من لا يرغب بي مرّة لا أرغب به ألف مرة. ابدئي من جديد.
-تلقين خطبة شجاعة عليّ. صحيح أنك محام قد تنجحين في كسب قضيتي، لكن تجربتك في الحياة صفر. لم تجرّبي الرّفض ، والتهميش؟
هذا الحوار جرى قبل عشرين عاماً مع سيدّة أتت من أجل أن أقيم لها دعوى نفقة . لست مثلما قالت لي السّيدة، فقد جرّبت الرّفض و التهميش بشدة، لكنّني لم أستسلم ، حاولت دائماً أن أكون أنا، كان صراخي صامتاً أسمعه وحدي، أقوم بتنفيذ قراراتي بطريقة مواربة، ربما نجحت في بعضها، أخفقت في البعض الآخر، لست راضية تماماً عن أدائي، لكنّني أعتقد أنّه كان مقبولاً .
بعد عشرين عام ، لا زالت كلمات السّيدة تدور في ذهني ، تحدثت معي صديقتي الشّابة ، و في هذه المرة على الماسنجر، تحدّثت بنفس حديث السّيدة التي التقيتها قبل عشرين عاماً ، قالت لي: الزوج يشبه جواز السفر لا يمكن التّحرك دون وجوده حتى لو لم تستعمليه.
بعد تجربة طويلة في مهنة المحاماة ، وتجربة لمدة سبع سنوات كمستشار قانوني في دبي ، حيث كانت بعض النساء السوريات المقيمات في الإمارات يسمينني ماما نادية . هاتفتني إحدى السّوريات هاتفتني – كن يأخذن رقم هاتفي من بعضهن -أعطيتها موعداً في المكتب الذي أعمل فيه، كنت أكذب على صاحب المكتب أقول: لدي موعد مع سيدة قد تقيم دعوى. بعد أن أستوعب قصتها أوجهها بما عليها فعله.
أتت السّيدة على الموعد. فتاة جميلة في الثلاثين من عمرها، أنيقة تصلح أن تكون عارضة أزياء، وهي شاميّة. شكت لي قصّتها قالت:
كنت أعيش مع أخي وزوجته في دبي، في يوم من الأيام طردوني من البيت، نمت في الحديقة لعدة أيام ، ثم وجدت عملاً في مكتب شخص إيراني شيعي، عملت لديه سكرتيرة ، ثم تزوجني زواج متعة ، وقبلت، لكنه اشترط أن لا أنجب الأولاد ، قبلت الشّرط علناً ، ورفضته سرّاً ، قرّرت الإنجاب، أنجبت ابني ، هو اليوم يريد أن أعود لسّورية، و يبقى الطفل معه . زواجنا مسجل في الإمارات رسمياً ومسجل في الجامع الشيعي زواج متعة.
سألتها: هل تحبينه؟
ضحكت، قالت: استأجر لي شقّة قرب شقة زوجته، و يأتي لزيارتي في وقت الغداء لمدة ساعة في اليوم. هو ليس زوجاً حقيقياً، لكن أين أذهب، و العالم كله ضدّي.
طبعاً كان الحل هو أن تتمسك بعقد الزواج الرّسمي حتى لو طلقها من أجل” الإقامة، و النفقة” . بعض المحظوظات تزوجن من إماراتي، صديقتي محامية تزوجت من رجل إماراتي وهي الزوجة الثالثة، يزورها مرّة في الأسبوع، لديها ابنة واحدة . قلت لي : إنني سعيدة أنني فتحت مكتباً لأنني إماراتية، و أصبح لدي ابنة ، ولا يهم رقمي بين النساء. أليس أفضل من أن أبقى خادمة في بيت أهلي؟ لم أجب لأنني ربما حرت في الجواب.
لا زلت أعتقد أنني لم أتوصل إلى التفكير بموضوع الحلّ لموضوع المرأة في سورية ، فقد أضحى الخراب هو عنوان كلّ شيء كما هو عنوان الأسرة ، حيث يذّل كلا من المرأة و الرجل، لا وقت للتفكير إلا في لقمة العيش، لكن لو فكرنا بالعرف ، و قانون الأحوال الشخصية رغم ظلمه للمرأة يبقى أرحم منه، فالعرف لا يورّث المرأة في أغلب المناطق ، بينما القانون يورثّها، لا يثبت جرم الزنا في القانون إلا بأربعة شهود عيان بينما في العرف تقتل المرأة فقط على الشائعة. مع هذا فقد تراجع الوضع في سوريّة إلى حدّ بيع الكليّة، بيع الأبناء ، علينا أن نفكّر بصوت عال: في سورية ” الجديدة ” يجب أن يكون هناك قانون مدني ينظم الزواج والطلاق، و أن يوجد حماية للمرأة و الأطفال .
لا زال السؤال : هل الزوج هو رجل الأسرة المبنية على توازن الذكورة و الأنوثة، أم أنه جواز سفر؟
*خاص بالموقع