نادية خلوف: سياسة، لكنّها ليست بسياسة

0

بداية الأحداث كانت قبل عدة سنوات :

تواصلت معي صديقة شابّة على الماسنجر تطلب منّي المساعدة . ترغب أن أجد لها عملاً في الترجمة عن بعد. الأمر ليس صعباً ، عندما كنت في الإمارات كان ذلك موجوداً، ويمكن تحقيق الرّبح منه. صديقتي السودانية كانت تترجم عن بعد .

تعرّفت على تلك الشّابة السورية الجميلة في الإمارات، كانت تعمل معلمة ، تعرّفت المعلمة على شاب كان يعمل في تنسيقيات الثورة السورية التي كانت مرخصة  في السعودية ، كنت أراها مع حبيبها قرب بحيرة الشّارقة و في يدها ويده علم الثّورة ، ثم تزوجا ، و أنجبا ابناً، و انقطعت أخبارهما عنّي .

قبل أربع سنوات تواصلت صديقتي معي طالبة مني العون ، قالت:” زوجي ذهب إلى أوروبا ، و أرسل لي ورقة الطّلاق ، أخجل أن أتحدّث بالأمر ، لكنّني لم أعد في الإمارات  ، فقد تمّ إنهاء عملي ، ولا أتجرأ على العودة إلى سورية . أقيم في لبنان في ظروف معيشية سيئة أنا و ابني. أرغب أن تساعديني في إيجاد عمل عن بعد”

في ذلك الوقت كانت المعارضة السّورية تمتطي خيولها، وتلبس دروعها استعداداً للتحرير، و كوني بسيطة اعتقدت أنّه يمكنني مساعدتها ، فبدأت أراسل عليّة القوم من المعارضين-المليونيرية- وكلي ثقة بأنهم لن يخذلوني. هو طبع في- يمكنك أن تخذلني مرة و أكثر، وبمجرد أن تسمعني كلاماً معسولاً أصدّقك.- ،  فقط أحدهم رد عليّ معتذراً ، وهو لديه مؤسسة كاملة .

كان لي صديق هندي في الإمارات يعمل ” أوفيس بوي” تواصلت معه ، و سألته فأجابني بقوله : ” سوف أحاول” ، وبعد أقل من عشرة أيام أوصلني مع شخص آخر، أصبحت  السيدة تترجم له وتربح بين من 400إلى 600 دولار في الشهر ، وهي حالياً محاصرة في اليونان ، حيث خرجت من لبنان منذ أكثر من عام.

قلت بالسّر بيني، وبين نفسي: ما هذه المعارضة إذا عجزوا عن مساعدة امرأة؟

كوني امرأة كتومة لم أفضح السّر ! و علي أن أقول أن التعميم خطأ . . . و إلا!

ولكن. . . قرّرت أن أخفّف من المقال السياسي ، حيث كانت ” العربي الجديد” تحذف مقاطع من مقالاتي، وكوني بسيطة لم أكن أعرف السبب، فقد كنت أعتقد أنها” صحيفة حرّة مستقلّة” ألم يقولوا أن الصحافة هي سلطة؟ اقتنعت ، فأنا أصدّق الإشاعات، و أقتنع بها!

رجعت عن رأيي في المقاطعة لأسباب كثيرة منها:  هم بالأساس قد همشوني، لكنّني لمت نفسي، قلت: ” لكل مجتهد نصيب” عليّ أن أثبت وجودي، وكما أسلفت كوني سطحية التفكير، وبسيطة إلى حدّ السذاجة لدرجة أنني أعجبت بأحد أعمالي ،  أليس أنانية منك أن تعجب بكتابتك إن لم يقيمها أبو أربع و أربعين.  أردت أن أحول العمل إلى  فيلم ، فقط يلزم أن أسعى لقبوله من منتج ، بدأت أرسل الرّسائل فقط إلى رؤساء المعارضات أو المنصات لثقتي بهم بأنهم سوف يقدّمون العمل. ألم يقدموا ويموّلوا جميع الأفلام، و جميع الذين نالوا شهرة بعد الثورة . عليّ أن أتعامل بإيجابية ، فالعذر فيّ أنا.

الجميع تجاهل الرسالة ، ولم يعد أمامي سوى أن ألجأ لأفيخاي أدرعي ، فقد رأيت على النت فليكس أفلاماً عربية يهودية كمسلسل فوضى ، و القصة تدور أحداثها الإنسانية حول مأساة ما هي سورية. لا يمنع أن يتبنى قضية السوريين أفيخاي!

لكن أليس أفيخاي من أصول عربية؟ لن يخدم قطعاً.

أعترف أنّني كنت مقتنعة “بأنّ لكل مجتهد نصيب” إلى أن ثبت العكس.

وعندما ثبت العكس تمنيت لو أن أبي كان ضابط أمن كبير في النظام، و أرسلني إلى الغرب كما فعل جميع المسؤولين مع أولادهم، أو عميل إسرائيلي كما أشرف مروان ، حيث أصبح ابنه من أقطاب رأس المال. الناس تنسى الماضي، وتبتكر لك وسائل لتبرئتك من التّهم، فقد قالت زوجة أشرف مروان ، وابنة عبد الناصر في عرس ابنها أن الأمر يتعلق بمؤامرة إسرائيلية ، وقد صدقتها ، ثم قرأت مقالاً عن أشرف فصدقته .

أغلقتُ الجهات الأربع للمعارضات ، وبدأت أبحث عن مقالات ممتعة بالإنكليزية ، ومن تلك المقالات مقال عن السلطة و المال ، وكلما قرأت مقطعاً أقول: فعلاً مثل أولاد بينة شعبان، أو مثل أولاد العميد أبو ثائر ، فأولاد الكثير من المسؤلين  يحمل الدكتوراه من الغرب، ويعمل بجامعاته.

لدي أكثر من عشر روايات، و لأنني بسيطة أحلم أن ينشرهم لي أحدهم ويسوقهم دون أن أدفع مقدّم أتعاب ، وفشلت في هذه أيضاً فقرّرت أن لا أنشر ورقياً.

أعترف لكم أن السبب هو أنا، فأنانيتي المفرطة تسببت في فشلي. أنانيتي تعني أنّني أكتب ، و أعترف بنفسي أنني كاتبة، أنّني ابكي مع أبطالي، لكن لست راضية عنّي لسبب بسيط لأنّه ليس لدي السلطة ،ولا المال.

و لأنني بسيطة أعتقد أن المال يأتي بالجهد ، مع أن أحد أصدقائي و أقاربي  بالإمارات أصاته ضربة حظ.  كان يعمل مبيضاً لأموال المعارضة الإسلامية، و ضباط الأمن الوطنيين، وقد قال  لي:  حضر حفل زواج ابني المعارضة و الموالاة، وطرقوا كؤوسهم مع بعضهم البعض، الاختلاف فقط في الذّقون. كانت المعارضة لها ذقون، و الموالاة حليقة الذّقون. كنت على وشك أن أطلب منه مساعدة، لكنّني عرفت أنه قد يغير رقم هاتفه ، و يذهب ” مع الرّي؛”وهو يمنحني متعة إشباع فضولي ، فلم أطلب منه . برأيكم لمن ألجأ ؟ إياكم أن ترشدوني ، لأنني قد أصدقكم، فقط لأنني بسيطة.    

*خاص بالموقع

ترك الرد

Please enter your comment!
Please enter your name here