مأساة سجين الرّأي ليس شخصية فقط . صحيح أن السّجين السياسي في سورية يتعرض لانتهاك جسدي و إنساني لا يمحوه الزمن ، وهنا لا أرغب أن أتحدّث عن وضع السجناء الذين أغلقت عليهم السجون ، ولا يعرف مصيرهم . الحديث اليوم سوف يكون حول الطرف الآخر من السجن ، أو الجهة الأخرى ، حيث الزوجة ، الأولاد ، الأم والأب ،و الإخوة . هؤلاء أيضاً سجناء الانتظار، سجناء الألم ، سجناء الحاجة المادية ، وسجناء المجتمع المفكك.
لم تكن سجون سورية السياسية يوماً فيها رحمة بل هي تنتقم من إنسانية الإنسان بالدّرجة الأولى ، و إذا كان عدد السّجناء تضاعف بمتوالية هندسية بعد الاحتجاجات السّلمية التي وصفت بالثورة، و التي تحولت بقدرة الأنظمة إلى ثورة جهادية ، فإن السّجون كانت تطفح بالسّجناء ، فهنا سجن يحرق فيه الأكراد في الحسكة، ولا يسمع به أحد، وهناك سجن يخرج السجناء ، ويقصف بالطائرات في تدمر ، وهناك أشياء لا يمكن تخيّلها. .
ما ذنب الأمّ حتى تعيش حالة حزن دائم منذ دخول ابنها السجن، وحتى موتها؟
ما ذنب الزوجة أن تلتزم بتربية أبناءها وحيدة؟
ما ذنب الأبناء أن يعيشوا سجناء كما والدهم؟
إنّه استنفاذ لطاقة العائلات ، وموت بالتّقسيط، وسجن ربما يكون في بعض حالاته أقسى من السجن الحقيقي، فكيف لو كانت الأمّ غير عاملة؟
إذا كان عدد السجناء مليون على سبيل المثال، وربما هم أكثر فإن العدد المتوسط للسجناء في الضفة الأخرى هو أربعة ملايين لو افترضنا أن لكل سجين أم و أب و أخت و أخ، أما لو كان له زوجة و أطفال يكون العدد يفوق السبعة ملايين .
نتحدّث عن سجن حقيقي يضاهي في عدم إنسانيته سجن النّظام إضافة إلى الشّعور بالعزلة الاجتماعية ، فالتعاطف على الفيسبوك ليس دلالة على تعاطف حقيقي ، و إنني أضرب مثالاً من الواقع: عندما تعرضت عائلتي لسجن جميع أفرادها على أيام عبد النّاصر ، مرّت بعض النسوة من أقاربنا من أمام بيتنا، وكنا نجلس أمام باب الدّار من الداخل، فاقترحت إحدى النساء أن يدخلوا ليسلموا علينا، لكن زميلتها قالت : ” لا لديهم قضية بتلوت” أي قضيّة مشينة ، لذا يتجاهل المجتمع عائلة السجين السياسي، ويحاصرونها ، أما لو كانت الجريمة جريمة شرف، أو سرقة لكان الجميع واسى العائلة، وقالوا لها: السجن للرجال.
معاناة النساء كانت كبيرة، وبخاصة أم السّجين التي تعاني إنسانيّاً، وزوجة السّجين التي تعاني من القلّ، و العزلة الاجتماعيّة، وتحمّل المسؤولية ، و قد أصبحت بعض زوجات السّجناء الحاليين يتسولن هن و أولادهن.
اخترقت الأجهزة الأمنية بعض عوائل السّجناء السّياسيين، وبخاصة الزوجة، ونحن هنا لن نلوم الزوجة التي قبلت التعاون معهم دون أن تؤذي الآخرين مقابل الاحتفاظ بوظيفتها، و الحفاظ على أولادها، و كنا نرى أن أولاد بعض السّجناء انتموا إلى حزب البعث، وبخاصة البنات و ذلك ربما بتوجيه من الأم كي لا يتعرضوا للضغوط ، ولكي يكون لهم عمل ووظيفة، لكن هذا لا يعني بأنّ شعورهم بالنّقص ، وعدم الأمان انتهى ، فشبح السّجن يلاحقهم، وربما أحياناً يلومون والدهم لأنّه جعلهم عرضة للمتاعب، ليس مطلوباً منهم أن يعرفوا أن النّظام يسجن أحياناً دون سبب، فلم يكن يشكل رأي السجناء خطراً عليه لأنّه نظام دكتاتوري، لكن الدكتاتور ينتقم من أقرب الناس له. عندما نطالب بالحرية لمعتقلي الرّأي على وسائل التواصل ، فإن الموضوع لا يتجاوز دعوة حماسية لن يكون لها نتيجة، فنحن لا نملك السّلطة ولا المال حتى يكون رأينا له قيمة، و ربما لو فكرنا أن ندعم السجناء في الَضفة الأخرى لكان الموضوع أفضل. القضية السّورية برمّتها لا تفيدها الأصوات على وسائل التّواصل، فلدى الغرب أرقام حقيقية حول كل الأمور ، وعندما تحسم نهاية الأسد سوف يتم فتح كل القضايا ، ليس من قبلنا، لكن من قبل الغرب نفسه، و أعني بالغرب أمريكا ، عندما تنتهي من تصفية حساباتها. عندما يحين الوقت ، وتنتهي أمريكا من تصفية حساباتها ، يمكن أن يتمّ فتح باب الدعاوى، وهنا يبدأ العمل الحقيقي ، و ليس على وسائل التواصل ، نحن لا نجيد استعمال تلك الوسائل ، أي تجمع أو نداء غير صادر عن جهة لها قوة ووزن حقيقي هو مجرّد ثرثرة . هو رأي شخصي .
*خاص بالموقع