هل هناك فرق بين الدّكتور، و البروفيسور؟ نعم. المتعارف عليه أن الدكتور في سورية هو الطبيب، الشخص الموصوف بالذكاء لأنّه تفوّق في الثانوية، ثمّ أصبح طبيباً ، وهنا يبقى التقييم للشائعة إن كان ناجحاً، أو فاشلاً، الشائعة ، أو الدّعاية هي التي تؤخذ بعين الاعتبار إلى حين يجرّب شخص ما فإما يقتنع ، أو لا ، لكنّهو في النهاية طبيب، وبخاصة قبل وجود علامات الصاعقة و الشبيبة ، وقبل أن يدخل عل خطّ الحصول على الشهادة الجبن الجزراوي، و الزيت العفريني ، ومسدس الوطن. الحقيقة أن سمعة أغلب الأطباء السوريين في بلاد المهجر محترمة .
أن تكون طبيباً هي تشبه أن تكون إلهاً حيث أنّك تستطيع أن تدلي برأيك دون أن يقاطعك أحد ، و أن تتنكّر لعائلتك، وتكون على صواب، و أن تختار زوجة من عليّة القوم في عمر تحت سن الرشد، وفي جميع الأحوال عليك أن تحمل القيم الذكورية في الحياة . أما أن تكوني طبيبة أو دكتورة فيعني أنّك سوف تقدّمين ثمن أنوثتك مضاعفاً، يخبرك المجتمع بأنّك عانس، وتصدّقين ، يطلب يدك رجل يعتاش عليك وتقبلين، ولا تستطيعين مخالفة القيم الذكورية فعليك أن تقولي لمريضاتك ما يقوله الطبيب الذّكر، يتلخص أغلب التشخيص بأنّ المرأة مختلّة كما يصفها زوجها على سبيل المثال، و هناك استثناءات طبعاً .
المنافسة شديدة على لقب دكتور ، وقد كان للاتحاد السّوفيتي سابقاً وروسيا اليوم الفضل في بيع الشّهادات، أو منحها للذين يدرسون لديهم من العالم الثالث، فتخرّج على يديهم أشخاص يحملون شهادة الدكتوراه في الصيد البحري، أو البري، أو صيد القاصرات، وربما الجنود الرّوس في سورية اليوم هم أبناء سوريين ، أو فلسطينيين، أو من أي مكان من العالم الثالث ، وهذا الأمر ليس له علاقة بما نتحدّث عنه ، فقد عاد الدكتور-غير الطبيب- من روسيا مثلاً ليكون أمين شعبة في حزب البعث، أو يعمل في منصب ما تؤمنه له الجبهة إن لم يكن بعثياً.
الحياة تتغيّر دائماً ، وطموح الرّجال يبقى نفسه، أقول الرّجال لأنّهم الأغلبية التي تحبّ أن تضع نفسها في مرتبة” الدكتور” وهنا سوف أستعرض تجربة لي في الحصول على شهادة دكتوراه في القانون ، هي شهادة خلّبيّة، لكن ما أدراك أنها كذلك لو لم أقل ، و لو وضعت أمام اسمي على وسائل التواصل : حرف الدال، ثم وضعت تحته دكتوراه في القانون الدولي، عملت في التّحكيم الدولي . سوف تصدّق ، وسوف يزيد احترامك لي.
الحقيقة كما سوف أوردها : لي صديق إعلامي ، وضع بخجل أمام اسمه لقب دكتور في البدء، قلت لابنتي : انظري كيف يعمل الناس بجدّ، و ليس مثلك . يبدو أنّه درس عن بعد. و الآن هو دكتور ، ابنتي شكّاكة ، ليست بسيطة مثلي وفي أغلب الأحيان يكون سوء ظنّها بالناس في محلّه ، قالت لي: تكلفة الدراسة حتى عن بعد كبيرة لو كانت الجامعة حقيقية، وهذا الرجل خسر عمله، وليس لديه ثمن الدراسة فيها، على الأغلب شهادته مزوّرة ، يبدو أنها كانت تبحث عن الأمر. قالت لي: اعطني خمسمئة دولار ، وسوف أجلب لك الشّهادة . رغبت أن أخوض التّجربة كي أتأكّد من سوء ظنّها أوّلاً ، وكي أعطيها نصيحة ذهبية أن تحسّن النيّة بالنّاس، لكن العكس هو الذي حدث ، فقد جلبت لي ابنتي شهادة دكتوراه في القانون . احتفظت بها لفترة ثم مزّقتها كي لا تسّول لي نفسي في استعمالها، أو يستعملها أولادي من بعدي . كنت حينها أعمل في الصحافة في دبي ، وكتبت عن الموضوع، وسددت لي الشركة الخمسمئة دولار .
أترجم بعض المقالات عن الغارديان، أو نيويوركرز ، أو الأتلانتك ولا أحد يوقع مقاله إلا باسمه الشخصي ، لكن عندما أبحث عن الاسم يكون برفسور في العلوم أو الأدب، و أحياناً الطب، لكنّه لا يسمي نفسه الدّكتور، ولا كاتب، أو الشاعر . من خلال التعريف عنه من قبل الموقع وفي آخر المقال يقال أنه عمل كذا، وكذا.
عزيزي السّوري لا تضع صفتك أمام اسمك ، لن يزيدك الأمر احتراماً و لا تصف نفسك بالشّاعر. دع الآخرين يكتبون عنك . هي ليست نصيحة ، بل تركيز على ظاهرة مزيّفة. من أطرف الأشياء ، وعندما كنّا نلبي دعوات الأفراح تكون باقات الورد موقّعة باسم الدكتور فلان يهنئ المهندس علاًن ، وتكون أنت صفر لم تضع رقمك الوطني باسم دكتور ، وهذا ما جعل الناس يبحثون عن المجد حتى لو كان مزيّفاً.
*خاص بالموقع