ميشيل شماس: جريمة تزويج الأطفال في القوانين السورية

0

جريمة تزويج الصغيرات تضاف اليوم إلى مآسٍ كثيرة وكبيرة يعيشها السوريات والسوريون سواء في مخيمات اللجوء أو في داخل سوريا، حيث يتم اغتصاب الفتيات الصغيرات تارة باسم القانون من خلال سن قوانين تسمح بزواجهن وتارة أخرى نتيجة غياب الدولة والقانون، وانفلات الأمور لصالح حملة السلاح وقطاع الطرق وقوى الأمر الواقع.

فمن يطلع على قوانين الأحوال الشخصية في سوريا الإسلامية منها والمسيحية سيجد أنها تتفق جميعها على تحديد سن زواج الإناث بأقل من السن المحدد للذكور، وتتفق أيضاً في إيراد استثناءات كثيرة تسمح بتزويج الأطفال وبخاصة الطفلات حتى دون السن المحدد في أحكام القوانين نفسها، كما هو الحال مثلاً في قانون الأحوال الشخصية السوري الذي كان يسمح بزواج الطفلة متى بلغت 13 سنة للفتاة قبل أن يتم تعديلها العام 2019 بحيث أصبح 15 عاماً.

فعلى الرغم من تعديل المواد المتعلقة بتحديد سن الزواج في قانون الأحوال الشخصية وتحديد أهلية الزواج للفتى والفتاة بسن 18 سنة، إلا أنه تم وضع استثناء أجاز للقاضي في المادة 18 منه تزويج الفتى والفتاة متى بلغا سن الخامسة عشرة من عمريهما إذا تبين له صدق دعواهما واحتمال جسميهما، أي أن القاضي هنا هو قاض وطبيب يستطيع بنظرة منه تقدير فيما إذا كان جسماهما يحتملان الزواج، وأن الفتاة الطفلة تستطيع أن تحمل وتلد وتربي أطفالها دون أي مشاكل صحية أو اجتماعية. وأن مثل تلك الفتاة الصغيرة ستستطيع التعامل مع الحمل ومع طفلها الذي ستلده، وكيف ستكون قادرة على تربية طفلها وتعليمه وتغذيته، وهي لا تستطيع التمييز بين ما هو خير وبين ما هو شر، وبين الصح والخطأ، وهي التي مازالت بحاجة إلى التربية والتعليم!؟

ولا يختلف الأمر كثيراً في قوانين الطوائف المسيحية، فقانون الأحوال الشخصية للروم الأرثوذكس وإن كان قد ساوى من حيث المبدأ في أهلية الزواج بين المرأة والرجل في المادة 13 منه، ببلوغهما سن الرشد أي 18 عاماً، إلا أنه وضع أيضاً استثناءً في تتمة الفقرة (أ) من المادة نفسها، سمح بموجبها الزواج لمن هم دون سن الرشد. يقول الاستثناء: (وعند الضرورة يجوز عقد الزواج بين طالبيه إذا تمتعا بالأهلية القانونية ولم يكن طالب الزواج دون السابعة عشرة من العمر وطالبة الزواج دون الخامسة عشرة مع مراعاة حال البنية والصحة وموافقة الولي وإذن راعي الأبرشية).

أما قانون الطوائف الإنجيلية فقد حدد سن الزواج في المادة 23 منه للرجل بـ 18 سنة وللفتاة بـ 16 سنة، وفي قانون الأرمن الأرثوذكس نجد أنه حدد في المادة 15 سن الزواج بقوله 🙁 يحق للرجل الزواج عند بلوغه ال 18 والفتاة 15 سنة.) وتضمنت نفس المادة استثناءً سمح بموجبه (لمطران الأبرشية بالاتفاق مع الرئيس الجسماني لمحكمة البداية ورئيس المجلس الروحاني أن يأذن زواج الرجل الذي أتم السادسة عشرة من عمره والمرأة التي أتمت الرابعة عشرة من عمرها في حالة غير اعتيادية ولسبب مهم جداً).

والأمر نفسه تنص عليه قوانين الأحوال الشخصية للطوائف الكاثوليكية في المادة 800 منه التي أجازت زواج الرجل بعد بلوغه سن السادسة عشر والمرأة سنة الرابعة عشر. هنا القانون الكاثوليكي يعتبر الطفل الذي بلغ 16 عاماً رجلاً، والطفلة التي بلغت 14 عاماً امرأهً.!

وفي قانون الأحوال الشخصية للسريان الأرثوذكس اشترط للزواج والخطبة ألا يقل عمر الشاب عن 18 سنة وسن الفتاة عن 16 سنة. واشترط في المادة 5 منه لخطبة الفتاة عند بلوغها سن 16 ان تخطب من أبيها أو ولي أمرها.

اما أهلية الزواج لدى طائفة الموحدين الدروز، فلا تختلف كثيراً عن بقية قوانين الطوائف الأخرى، فالمادة الأولى من قانون الطائفة نصت على أن أهلية الزواج للفتى ببلوغه سن 18 عاماً وللفتاة ببلوغها سن 17 عاماً، لكن في المادة الثانية منها أورد استثناءً سمح بموجبه لأحد شيخي العقل أو قاضي المذهب أن يأذن بالزواج للمراهق الذي أكمل السادسة عشرة من عمره ولم يكمل الثامنة عشرة إذا ثبت لديه طبياً أن حاله يتحمل ذلك، على أن يكون إذن أحد شيخي العقل أو قاضي المذهب موقوفاً على إذن ولي المراهق. وفي المادة الثالثة منه أجاز زواج المراهقة التي أكملت الخامسة عشرة من العمر ولم تكمل السابعة عشرة إذا ثبت لديه طبياً أن حالها يتحمل ذلك وأذن وليها.

وفي قانون الأحوال الشخصية للموسويين “اليهود”، فقد نصت المادة 20 على: (يكون الرجل لائقاً للزواج عند بلوغه سن 18 بينما لم يرد أي ذكر للفتاة متى تكون لائقة للزواج؟  لكن نص المادة 23 من القانون نفسه أجازت الزواج للرجل عند بلوغه سن 13 وللزوجة عند بلوغ سن الثانية عشرة والنصف وبحيث أن تنبت عانتها ولو شعرتين”

يُلاحظ مما تقدم كيف أن قوانين الأحوال الشخصية لدى مختلف الطوائف الإسلامية والمسيحية تعتبر من يبلغ الخامسة عشر أو السادسة عشر من عمره رجلاً، ومن تبلغ سن الرابعة عشرة والخامسة عشرة امرأة.. إنه تزييف لواقع الحال وجريمة كبيرة، لا بل هي جريمة اغتصاب مكتملة الأركان بحق الطفولة.

ترى هل أدرك مشرعو الطوائف المخاطر الكبيرة التي تنتج عن الزواج المبكر قبل سن البلوغ، وبخاصة تزويج الطفلات؟ فالحمل قبل سن العشرين هو حمل عالي الخطورة، لأن تكوين الفتاة الجسدي لا يكتمل قبل هذا العمر، ناهيك عن النمو العاطفي والانفعالي الذي لا يساعدها على تحمل مسؤوليات الزواج والأسرة، فقد لا تتم حملها بمدته الكاملة لأن جسمها لم يكتمل نموه بعد، وقد تتعرض للإجهاض المتكرر. وتصاب بفقر الدم، خاصة خلال فترة الحمل. وقد تزداد نسبة الوفيات بين الأمهات الصغيرات أي ما بين 13و19 عاماً عن الأمهات اللواتي تزيد أعمارهن عن العشرين عاماً بسبب الحمل. كما تزداد وفيات أطفال الأمهات الصغيرات بنسبة أكبر من الأمهات الأكبر سناً، وذلك لقلة الوعي والمعرفة بالتربية وأمور التغذية. هذا عدا المخاطر النفسية والاجتماعية التي تتعرض لها الفتاة التي تتزوج قبل سن البلوغ. فالفتاة في مرحلة المراهقة لا تستطيع أن تبدي رأيها في أمور حياتها الزوجية بثقة وارتياح، خاصة بعد حرمانها من التعليم ومن تعلم مهارات الحياة بشكلٍ عام، سواء في مجال العناية بالأسرة، والزوج والأطفال، أو بالتعامل مع محيطها الاجتماعي والزج بها في أتون الزواج المبكر وهي ما زالت غارقة في أحلام الطفولة، مما يجعلها فريسة سهلة لتدخل الغير من الأهل والأقارب في حياتها الشخصية الخاصة.

في ظل غياب القانون الذي يجب أن يحكم تصرفات الأفراد ويمنع من تزويج القاصرات، خاصة في ظل المأساة التي يعيشها السوريات والسوريون خاصة في المخيمات، لا بد أن تنهض منظمات المجتمع المدني بمسؤولياتها وتمارس دورها في توعية الناس من مخاطر الزواج المبكر، كما على النشطاء والإعلاميين والمثقفين ورجال الدين أن يمارسوا دورهم في توعية الناس أيضاً، إنها مسؤوليتنا جميعاً في ضرورة نشر الوعي من خطورة استمرار هذه الجريمة المستمرة بحق أطفالنا ونتائجها المدمرة على مجتمعنا.

*الناس نيوز