ميشيل سيروب: العشق والظمأ في رواية “ملاذ العتمة” لضاهر عيطة

0

الثورة في الأدب:

في الذكرى العاشرة للثورة السورية يُهدي الروائي ضاهر عيطة روايته للمكتبة العربية، الرواية مليئة بالعشق والخيانة والمطاردة مليئة بمرايا مُهشمة تبحث عن وجوه أتعبتها سكاكين الغدر من أنصار النظام، وزاخرة بتحولات يومية في حياة شعب يبحث عن كرامته المفقودة في دهاليز وأقبية قتلة ومأجورين. أصبح لزاماً على الأدب في سوريا أن يدون في يومياته معاناة الأمهات والأبناء والحناجر التي هتفتْ للحرية وللأمل. تبنى كوكبة من الأدباء في سوريا الانضمام لصفوف المتفائلين والحالمين بغدٍ أجمل. هذا ما نلمسه في سردية ضاهر عيطة عبر ثلاث شخصيات مركزية( وشخصيات ثانوية تُضيء سردية الحياة اليومية في دمشق وألمانيا) تتناوب حيواتهاتباعاً بين دمشق وألمانيا. تحتل الغابة المكان البديل لمسرحٍ تجري فيه أحداث درامية ومطاردات بين شخصيات تتنازع لإثبات الذات بعد أن أتعبتها صخب الحياة في داريا وجوبر. في المقابل فضَّل بعض الأدباء “جنة البرارة” على التغيير والبديل الديمقراطي بمزاعم بأن كل جديد سوف يقودنا إلى مقصلة التكفيريين.لذا تردد مفهوم: المثقف الخائن في صفوف المثقفين السوريين كتبرير لوحشية القتل تحت ذريعة وأكاذيب بأن المؤامرة الكونية تستهدف الاستقرار وليس النظام!! كيف لمُثقفٍ وأديب أن ينام قرير العين في وطنٍ مُستباح ينام في سرير الموت ورايته كفن أسود؟

غفران: الثورة مستمرة

احتلتْ المرأة السورية مكانة مرموقة في يوميات الثورة السورية، وهذا ما ينفي عن الثورة صفة التطرف والسلفية (بالاعتذار من بثينة شعبان) كما أرادت أبواقا لنظام أن تُبرر مواقفها الموتورة. يُقدم ضاهر عيطة شخصية غفران كمناضلة ضد الاستبداد وهي وريثة لأب كان سجيناً سياسياً ثُم يستشهد في أقبية النظام، تتلخص تهمتهُ بكتابة الشعر.(تُذكرنا شخصية الأب بمأساة لوركا الشاعر الإسباني المُناهض لفاشية فرانكو) تؤكد غفران كنموذج ثوري، بأن التغيير ممكن وأن الحلم مشروع وكتابة الشعر ليست جريمة وأن الحرية والكرامة ستنبت على سفوح قاسيون ذات يوم.

تستمر صيرورة الثورة في شخصية غفران وهي على النقيض من الإمام عاطف ومن أخيها مُلهم اللذين يرتديان ثوب العار وينكران على جموع الناس التغيير والهتاف لغدٍ أجمل. لاحقاً ينظم مُلهم للثورة ونتعرف عليه بعد أن يُبدل علم النظام بعلم الثورة. مازال الجدل يسود في أوساطمثقفي المعارضة: هل علينا تغيير العَلم الذي تلطخ بدماء الأبرياء بعَلم الاستقلال الأول أم لا؟

عاطف: الإمام المهزوم ومعمودية العتمة

مشاهد الرواية متوهجة بالعشق الذي يُسيطر على روح الإمام كرغبة دفينة لاِمتلاك غفران كدمية لإرضاء ذاته المريضة وشخصيته المهزومة.

تتأرجح حياة الإمام بين غفران وسيلينا، بين العشق المنشود والجنس، بين الولاء للنظام والسعي للهروب من مصيره القاتم. هرباً من النهار يغوص الإمام في العتمة وينشد فيها ملاذه ” ما من شيء يُعادل سطوة العتمة، وأنه ما من أحد يُدرك نعيمها إلا العميان، فهي شمسهم، وأنا حتى اليوم، لم أزل غارقاً في عمائي”ص24.

يلجأ عاطف إلى سيلينا لتخفيف سعير غضبه ولهيب قلبه، لقد أصبحت سيلينا عزاءه بعد أن أهملته غفران التي أمستْ مُجرد ذكرى لا تُفارق مُخيلته.

يتورط عاطف بعلاقات فساد مع ضابط كبير، ويعملان على قطع الأشجار المحيطة لنهر بردى لبيع أخشابها بحجة أنه يمكن أن تكون مأوى للإرهابيين. يفقد عاطف صفاته الإنسانية وهو نموذج ساطع لرجل تصالح مع النظام على حساب المبادئ والأخلاق.

سيلينا: المهمة المستحيلة، يوم حلو يوم مُرَ

في سعيها لرصد الثورة السورية، تصطدم سيلينا بتفاصيل الحياة وتعقيداتها وعدم قدرتها على فهم ما يجري إلى حد الجنون. تتحول سيلينا من صحفية تبحث عن الحقيقة إلى عاشقة همها إثارة عاطف ليتخلص من ذكرى غفران وعطرها وثيابها وروحها.” كانت كل الأمور متداخلة ببعضها هناك إلى حد الجنون، الحزن ممتزج مع الفرح، والجنس واللهو مع التنسك والتعبد، والعشق مع الكراهية والموت مع الحياة، ما من شيء كان واضحاً، وما من شيء يمكن إدراك جوهره”ص111. إنها روح الشرق التي لا تخضع لقوانين وعقلانية الغرب، في مسعى أخر تتحول سيلينا لشهرزاد لتروي حكايات العشق وتترك بصمة جارحة في قلب شهريارها، سيلينا تُدرك مكامن الضعف عند الرجل الشرقي الذي ينحصر همه الأول بالجنس! تُصاب سيلينا بعمى الألوان، فهي من جهة تتناسى المهمة التي جاءت من أجلها لرصد الثورة ومآلاتها والوقوف على جرائم القتلة ضد الأبرياء، ومن جهة ثانية تفقد بوصلة الجهات وتناصر إمام العتمة.

كي لا نفسد على القارىء المصير الذي واجهه الإمام في نهاية الرواية، هل كانت تلك النهاية منطقية لِمن وقف على الطرف الآخر من منطق التاريخ؟ أم هي الرغبة الدفينة للروائي ضاهر عيطة كحكم أخلاقي على أمثال هؤلاء؟

*عنوان الكتاب: ملاذ العتمة. اسم المؤلف: ضاهر عيطة. الرواية صادرة عن دار موزاييك للدراسات والنشر في تركيا. الروائي ضاهر عيطة من مواليد دمشق عام 1966، حاصل على إجازة في الفنون المسرحية قسم النقد والأدب المسرحي.

*الناس نيوز