ميشيل باسيل عون: في زمن الحروب يطرح السؤال: لماذا يفقد الإنسان لذة الحياة؟

0

حين صاحب “المزامير” أن الحياة أشبه بوادي الدموع، لا يخطئ في وصفه اضطرابات الحياة الإنسانية. ذلك بأن الحياة ليست نزهة جميلة يستطيب فيها الإنسان هدوء الانتقال من موضع إلى آخر، ومن مقام إلى آخر. عند كل منعطف من منعطفاتها، تعتري الإنسان رعشة الاضطراب الوجداني. في كل طور من الأطوار نختبر ضروباً شتى من المعاناة. في مراهقتنا، تجتاحنا تجارب المغامرة الهوجاء، وتتملكنا إغراءات الاختبارات القصوى، وفي طليعتها الانتحار العبثي. في بلوغنا، نختبر صعوبة التزام مقتضيات النضج المرتسم في أفق وجودنا. في منتصف العقد الرابع، نرتاب ونتشكك ونسائل كل المسلمات التي بنينا عليها اختياراتنا وقراراتنا وتوجهاتنا. على مشارف العقد السادس، تنزل علينا الكآبة الوجدانية وتلفنا بضبابها الكثيف. لا ريب في أن هذه الاضطرابات تعبر عن أزمات وجودية عميقة تنتاب وعي الإنسان الساعي إلى فهم معنى الحياة. يبين الفيلسوف الفرنسي بيار-هنري تاڤايو في كتابه “فلسفة أزمنة الحياة. لماذا نكبر؟ لماذا نشيخ”؟ (Philosophie des âges de la vie. Pourquoi grandir ? Pourquoi vieillir ?) أن هذه الأزمات أشبه بعتبات انتقالية تعين لنا كيفيات الانتقال من طور إلى آخر حتى ننمو على درب الحياة الموهوبة.

أنواع التأزم الكياني

أثبت الفيلسوف الفرنسي بول ريكور (1913-2005)، بواسطة الفلسفة التفكرية والتأويل الفنومنولوجي، أن الأنا المتفكرة منكسرة انكساراً ذاتياً لا تقوى على ترميم أصالتها الأولى. ومن ثم، ما برحت الفلسفة تجتهد في تأول أسباب الانهيار النفسي الذي ينتاب الإنسان في المجتمعات المعاصرة. حين ينظر المرء في الأسباب، يسترعي انتباهه للوهلة الأولى أن سؤال الوجود يقلق الإنسان ويمنعه من التنعم الهني بحياته. فإذا به يصاب، من حين إلى آخر، بهزة كيانية ترمي به في هوة الفراغ والجمود والشلل المعنوي. قد تكون المحطات الوجودية المكفهرة هذه بمنزلة الضريبة الإنضاجية التي ينبغي أن يسددها كل كائن عاقل حتى يجتاز بجدارة امتحانات الأطوار العمرية المتعاقبة قبل أن يبلغ نضج الشيخوخة.

من اللافت أن تسقط من الاستخدام عبارة الأزمة الوجودية التي كانت ذائعة قبل تفور الأبحاث البسيكولوجية وتطور الإسعافات التحليلية الباطنية الدقيقة. أما اليوم، فيؤثر الناس اصطلاح الانهيار النفسي أو العصبي، ويتناقلون أخباره في الإعلام المرئي والمسموع والمقروء، لا سيما في الروايات الأدبية والأفلام السينمائية المكللة بالنجاح. بعض النقاد يميزون الأزمة الوجودية من الانهيار النفسي، فينسبون الأزمة إلى زمن رومانسي انقضى كانت النخبة الفكرية فيه، وقد بلغت أوج عطائها الفكري، تختبر بعضاً من الاضطراب الكياني يعطل وجودها الاجتماعي، ويلقي بها في صمت الاعتزال الظرفي المؤقت. ويربطون الانهيار بالجو النفسي الجماعي الشائع وباحتمالات الإصابة العامة والتأثر المشترك بها، إذ إنها أضحت واقعاً شائعاً بين جميع طبقات المجتمع. لا بد هنا من الالتفات أيضاً إلى أن الانهيار النفسي مرتبط، في وجه من الوجوه، بالكآبة التي تقترن بتحولات المزاج وتقلبات الطباع، والتي كان الأقدمون ينعتونها بمرض الشعراء الغامض. فإذا بنا أمام ثلاثة ضروب من الاضطراب الباطني: الانهيار العصبي أو النفسي الشائع، والكآبة الرومانسية المقتصرة على النخبة المهجوسة بالتميز والإبداع، والأزمة الوجودية الكيانية الفلسفية التي تصيب أعمق الأعماق في الوعي الإنساني وتعطل كل المدارك تعطيلاً احترازياً، قبل أن تستحث المصاب بها على الانتفاض ومساءلة معنى الوجود برمته. من وظائف الفلسفة أن تتعهد الأزمة الوجودية هذه، وترعاها وتصونها وتتدبرها وتقترح لها بعض العلاجات المفيدة.

الأصل الإيماني: الخطيئة مصدر الأزمة (كيركغارد)

تناول الفيلسوف الدانماركي سورن كيركغارد ظاهرة القلق في كتاب “مفهوم القلق” (Le concept d’angoisse)، وظاهرة اليأس في كتاب “المرض المفضي إلى الموت: الشفاء من اليأس” (La maladie à la mort. Guérir du désespoir). غير أن معالجته لا تفترض في القلق واليأس المرض النفسي، بل تعاين حالين من أحوال الفرد أو وضعيتين من وضعيات الوجود الإنساني الأساسية يمكن أن يعتريا الكائن في جميع الأزمنة وجميع أطوار العمر. أما أصلهما، فشعور الإنسان بالخطيئة، إذ إن القلق يسبق هذا الشعور، في حين يقترن اليأس بواقع الخطيئة الذي يهيمن على الوعي الذاتي. من آثار القلق أنه يضرب رأس الإنسان في دوران هيجاني يفقده اتزانه ويدخله في حشرجات الفناء وهلوسات العدم. أما فضيلته العظمى، فإنه يوقظ الوعي إيقاظاً مباغتاً يكشف للفرد المنازع ذنبه الكياني الناشب في عمق براءته الأصلية، فيجعله يستخرج إمكانات جليلة من الوجود الحر والاقتدار المفطور على التنازع بين الخير والشر.

ينبثق القلق من تلك الحرية التي يتخيلها الإنسان ويقيسها على مثال طموحه المتفور اللامحدود. حين ينغمس في الخطيئة، ينتابه اليأس الجارف الذي يمنعه من الاضطلاع بمسؤولية الفعل الشنيع المرتكب. وحدها النعمة الإلهية تعتق المؤمن، بحسب وجودية كيركغارد، من سلاسل القلق وبراثن اليأس، فتحرره كائناً متجدداً، متفوقاً على انعطابه المسلكي، متوثباً طامحاً تائقاً إلى معانقة مثل الرفق واللطف والمحبة. بفضل قيم التسامي الروحي هذه، يستطيع الإنسان أن يتغلب على انكساره الوجودي، فيتخطى حمى القلق واحتضار اليأس.

الأصل النفسي: وطأة المتطلبات التي تجرها علينا الرغبة في الاستقلال الذاتي (فرويد)

كان فرويد (1856-1939) يعتقد أن الشعور بالذنب أصل البلاء في حضارة القرن العشرين. يظهر هذا الشعور في صورة الحاجة إلى الاقتصاص الذاتي. ومن ثم، فإن العصاب الذي ينتاب الإنسان مرض ذنبي ينجم عن التصارع المهلك بين الممنوع والمباح في الاجتماع الإنساني. غالباً ما ينشأ هذا المرض في المجتمعات التي تعتصم بفروض النظام والطاعة والخضوع. غير أن الزمن لم يعد على الهيئة التي استخرجها فرويد في عصره، بل تغير تغيراً خطيراً، إذ انتقلنا من طور الخضوع لقواعد النظام الاجتماعي السائد إلى طور التشبث باستقلال الذات الفردية، لا سيما في المجتمعات العلمية الصناعية المتطورة. بيد أن الرغبة في استقلال الذات يولد قلقاً عظيماً في صميم الوعي الذي يدرك أن المسؤولية تفرض على الإنسان جهداً استثنائياً لكي يقرر التزام وجوده الخاص، ويختار أسلوب حياته، ويصطفي طريقة إسهامه في استعمار الكون.

وعليه، لم يعد الصراع ناشباً بين الذات والنظام الاجتماعي الخارجي، على نحو ما وصفه فرويد، بل أضحى منعقداً بين الذات والذات عينها يستحث الإنسان على الاضطلاع بمسؤولية كيانه الفريد الآتي إلى العالم في هيئة فذة لن تتكرر على الإطلاق. فإما أن يحيا حياته وفقاً لما يشتهيه، وإما أن يفقد معنى الأصالة الذاتية التي يتوق إليها في صميم وعيه. في هذه الحال ينتاب الإنسان اضطراب كياني يزعزع الأسس التي أقام عليها اتزانه الداخلي.

الأصل الأونطولوجي: قلق الإنسان الراغب في فهم كينونته (هايدغر)

كان الفيلسوف الألماني هايدغر (1889-1976) يعتقد، في كتابه “الكينونة والزمان” (Sein und Zeit)، أن جريان الأحداث يجعل الإنسان غافلاً عن مساءلة معنى كينونة الكائنات. حين يتعطل سير الأمور المنتظمة لسبب من الأسباب، يقف الإنسان حائراً أمام مرآة نفسه ليختبر أقسى ألوان المساءلة الوجودية تطلباً. فيصيبه الدوار والقلق لشدة ما تتعبه الحياة التي يتحمل منها رهقاً منهكاً، وتخذله قواه ويتساقط من الإعياء الكياني. فتفتر عزيمته وتتضاءل همته، وإذا به يحجم عن الأمور الحياتية الضرورية هيبة وإنكاراً، وينخزل انخزالاً شاملاً، ويرضى بالجمود والحرمان. إنه القلق الوجودي الأبلغ الذي يلقي بالإنسان في خواء المعنى، ويستثير في نفسه الفراغ الذي يجعله يدرك أقصى إمكاناته الذاتية. في استباق الموت، يستطيع الإنسان القلق أن يستجلي معنى الكينونة التي يستقيم عليها كيانه. فإذا به يستعيد بعضاً من هدوئه على قدر ما يستسلم لمشيئة القدر المتجلي في كينونة الكائنات. ذلك بأن الإنسان ليس جوهراً مرسوماً رسماً قبلياً ثابتاً، بل دازاين (Dasein) حي فاعل منخرط انخراطاً حياتياً وجودياً معيشياً في صميم حركة الزمن والتاريخ. ومن ثم، يتحول وجود الإنسان، لا سيما في خطة العلاج الذي تقترحه تحليلية الدازاين (Daseinanalyse)، إلى مشروع راق واعد يؤهل الإنسان كيانياً، أي في جميع أبعاده، لكي يضطلع بمسؤولية وجوده، أي بوضعيته البشرية المحدودة والمشرعة على حد سواء، وبانفطاره على الموت، وبمحدوديته الزمانية، وبمعطوبيته الجسدية، وبذاتيته المنكسرة، وبانعقاد كيانه على المعية الإنسانية.

الأصل الوجودي: الفراغ الذي يستقطب حرية الإنسان (سارتر)

في رواية “الغثيان” (La nausée) يعلن سارتر أن القلق ناجم عن خواء المعنى المطلق في حياة الإنسان. من طرافة الحدث وسخرية القدر أن سارتر وقع في انهيار عصبي من بعد أن أنهى كتابة روايته هذه. يحكى أن سبب الانهيار الظاهر رفض دار غاليمار الباريسية نشر الرواية التي كانت تحمل عنواناً آخر: الكآبة. في جميع الأحوال، ينشأ الغثيان، بحسب سارتر، من جراء الإحساس الجارف الذي يجتاحنا حين ندرك أن وجودنا مكسو بالعري المطلق، لا ينطوي على أي تسويغ ضروري، أو تعليل واجب، أو معنى لصيق به. إنه عبث الحياة يتملكنا ويهيمن علينا ويمنعنا من أن نستشرف المستقبل استشراف التخطيط والتصميم، ومن أن نعقد الحاضر على عزم القرار الفاعل، وأن نتبصر في الماضي بروح الاعتبار والاتعاظ والاستنضاج الذاتي. ومن ثم، فإن الغثيان ناجم عن تهافت المعتقدات المعزية، وسقوط الأوهام المنعشة، وبطلان الآمال المحيية. وحده فعل الحرية الذاتي، وقد اضطلع به الإنسان الصانع نفسه، يستطيع أن يحرر الوعي من شقائه الوجداني وبؤسه الإدراكي.

الأصل الأنثروبولوجي: بولس الخوري وشغف الرغبة المتوثبة غير المنجزة

يعلن الفيلسوف اللبناني بولس الخوري (1921-2021) في كتابه “الموقوع والمعنى. إنشاء أولي في فلسفة الخيبة” (Le fait et le sens. Esquisse d’une philosophie de la déception)، أن الإنسان الخائب يعجز عن اللحاق بتوثب رغبته التي تتقدمه بأشواط من التطلب الأقصى. كلما فاز بمرغوبه، استثار الفوز مرغوباً آخر يستحثه للنهوض إليه. أقصى المرغوب أن يكتمل كيان الإنسان في مساره التاريخي المعقود في حدود المكان والزمان. غير أن الاكتمال لا يتيسر له، إذ لا يبرح راغباً في ما هو أبعد وأرفع وأكمل. ما من حدود للرغبة الإنسانية إلا تلك التي تتخطى كل ما يظن الإنسان أنه وضعه من حدود آنية ظرفية مؤقتة.

وعليه، فإن أصل الخيبة الفلسفية ناشب في استحالة الفوز باكتمال الكائن الإنساني. والاستحالة لها سببان: الأول الكثرة الغيرية المطلقة في الكون يواجهها الإنسان من منطلق ذاتيته، ولكنه لا يقوى على توحيد ذاته في مواجهتها؛ والثاني الزمانية المنبسطة أمامه تمنعه من إنهاء مسار الاكتمال، إذ تفتح له كل يوم باباً جديداً من الإمكانات المشرعة. أما عمق الخيبة، فيبلغه الإنسان حين يدرك أن ما يطلبه ليس الامتلاك الغرضي الشيئي المادي، بل الاكتمال الكياني الأونطولوجي الصميمي الذاتي الذي يستحيل الفوز به. الخيبة اعتراف باستحالة الاكتمال الذاتي، وقبول بمحدودية المسعى الإنساني. في هذا السياق، لا يفيدنا الهروب إلى مدينة مثالية تحقق لنا في عالم الغيب الماورائي كمال كياننا. الحكمة المتبصرة تقتضي الاكتفاء بالتطلب الراغب في حدود المحدودية التاريخية القائمة. وحده مثل الاكتفاء الراغب يحرر الإنسان من اشتداد التأزم الوجودي في وعيه الذي يقاوم حكمة الواقعية المتضعة. بذلك تتحول الحياة إلى لعبة عفوية ترقص فيها الكائنات على إيقاع المصادفة الحرة.

المساءلة الوجودية القصوى أصل الداء وعين الدواء

لا ريب في أن جميع الاجتهادات الفلسفية هذه تظهر لنا أن أبلغ المساءلة الكيانية تلك التي تجعل الإنسان يستفسر في صميم اضطرابه الوجودي عن معنى الحياة: ما الفائدة من العيش في قرائن السر الغامض الذي يكتنف الكون وسياق الإرباك الأعظم الذي يلوي الإرادات ويقطع الأحشاء ويبيد الهمم؟ للفلسفة قول حكيم في هذا كله، إذ إن الأزمة وجودية تصيب معنى الحياة الذي تضطلع الفلسفة بمسؤوليته الجليلة.

يعتبر الفيلسوف الفرنسي كلمن روسه (1939-2018)، في كتابه “بعيداً مني: درس في هوية الذات” (Loin de moi. Étude sur l’identité)، أن الأسباب التي تدفع بالإنسان إلى الكآبة هي عينها الأسباب التي تشرع له آفاق الابتهاج الكياني: “إن الأسباب التي تجعل المرء سعيداً أو منهاراً محبطاً، تشترك في استثارة الدهشة، واستثارة المفارقة الظاهرة أيضاً، إذ إنها الأسباب عينها على وجه الدقة” (كلمن روسه، “بعيداً مني: درس في هوية الذات”). قبل أن يستفيض في تسويغ هذه القربى، يستلهم بيتاً شعريا ينسب إلى الكاتب والشاعر الألماني مارتينوس فون بيبراخ (توفي عام 1498) الذي اشتهر بفضل البيت الشعري هذا: “أحيا من غير أن أعرف إلى متى؛ أموت من غير أن أعلم متى؛ أسير سيري من غير أن أعرف إلى أين؛ ومع ذلك، فإني مندهش من أني ما برحت مسروراً بذلك كله”. تجدر الإشارة هنا إلى أن المصلح الديني مارتن لوثر (1483-1546) كان على معرفة بهذا النشيد الذي كان ينعته بمزمور الكفار الذين ينكرون حقائق الوجود المعتلنة في الوحي الإلهي. ذلك بأن المؤمن يعرف من أين أتى، وإلى أين يذهب، وكيف يسلك طريق الخلاص.

يجرؤ روسه في كتابه الآخر “درب الليل: فصول عيادية” (Route de nuit. Épisodes cliniques) على الإفصاح الصادق عن الانهيار النفسي الذي انتابه. فإذا به يصف الاضطراب الكياني وصفاً رمزياً بليغاً: “حلمت تلك الليلة بأن المرآة ما عادت تعكس ذاتي. ولكن ما إن أنعمت النظر فيها حتى استطعت أن أستشف ملامح قوامي في الجانب الآخر منها، تكتنفها ظلال بعيدة. أفأكون بذلك، على حد تعبير جيل دلوز، قد انخرطت في صيرورة تجعلني على هيئة الهامة الظلامية؟” (كلمن روسه، “درب الليل. فصول عيادية”). يشعرنا الوصف الدقيق هذا بأن وضعية الانهيار النفسي تطبق على الإنسان إطباقاً يعطل فيه قدرة التمييز، فيمنعه من التعرف إلى كيانه الذاتي وهويته الشخصية وقوامه الخاص. لا ريب في أن فقدان الذات في حال الانهيار يجعل المنهار النفسي يفقد كل ارتباط بذاته الباطنة التي تختزن كل طاقات النهوض والتماثل والشفاء.

الحقيقة أن أفضل السبل للانعتاق من وطأة الانكسار الوجودي أن يستوصف الإنسان باطنه الذي هو الطبيب المختص بشؤون وعيه الذاتي وشجونه وإمكاناته وقدراته. يرسم روسه مشاعر الانكسار في لحظة الاستيقاظ من النوم، إذ يفتح عينيه على عالم غدا مجهولاً غامضاً مربكاً مرعباً. يرافق الانطباع الصباحي المزعج هذا قلق شديد، وغصة خانقة، وهلع فاحش، وتقوض كياني رهيب. إنها السمات الملائمة التي تطبع وجدان المأزوم في استقباله أنوار الصباح. لذلك لا يلبث أن ينكفئ إلى ظلمة الليل حتى يحمي نفسه من انهيار الهيكل بأجمعه. لسان حاله أن اليأس وحده يولد البهجة الحق، وأن محنة الكآبة ضرورية من أجل إتقان فن الإبداع الوجودي.

*اندبندنت