ليست المرة الأولى التي يفرض فيها حزب الله إرادته على اللبنانيين ويكشف فيها عن نياته فرض معاييره وطقوسه وإلغاء أي لون آخر في مجتمع يتغنى بتنوعه وانفتاحه.
وبدت لمسات الحزب واضحة في أقل شهر على أكثر من قرار يتعلق بحياة لبنانيين يعيشون في بلدات تستلهم تعاليمه وتخضع لأهوائه. وكانت البداية منع أمسية شعرية غنائية بعنوان “محمود درويش على جناح الحرف واللحن” في مدينة النبطية. وسبب المنع لم يكن إلا “طبلة”، أما مبرره فهو أن هذه الآلة الموسيقية “ممنوعة شرعاً وتثير غرائز الرجال”.
مرّ الخبر بلا ضجة كبيرة، ولم يذكر إلا في سياق الحملة التي شنت ضد منع إقامة حفلة لفرقة “مشروع ليلى” ضمن مهرجانات جبيل الدولية.
وبعد “الطبلة”، اضطرت صاحبة مطعم في بلدة برج قلاويه في قضاء بنت جبيل، إلى دفع مبلغ 1500 دولار كبند جزائي لفرقة “كتير سلبي show” بعد إلغائها عرضاً كانت الفرقة ستقدمه في مطعمها نتيجة ضغوط تردد أنها من حزب الله، تعرضت لها.
ولم تكن “الطبلة” وراء المنع هذه المرة، وإنما الثياب “غير المحتشمة” التي تلبسها الفتيات اللواتي يشاركن في العرض والنكات التي تلقيها الفرقة. وعندما تواصلت صاحبة المطعم مع الفرقة طالبة منها أن يقدّم العرض رجل واحد من أفرادها، رفضت الفرقة هذا الأمر واعتذرت عن الحضور وألزمت المطعم بدفع بند جزائي.
وبين “الطبلة” والثياب غير المحتمشة، أشعل قرار بلديتين في جنوب لبنان، غضباً شعبياً بعد طردهما امرأة تدعى فدوات تنتقد حزب الله منذ أشهر عبر فيديوات، ورمتا أمتعتها في الشارع.
وللحزب سوابق فاشلة كثيرة في التدخل في حياة اللبنانيين ومحاولة تشكيل مجتمع يخدم أهدافه. فقد اعترض الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله على عرض فيلم The Post للمخرج الأمريكي ستيفن سبيلبرغ في دور السينما في لبنان بحجة أن المخرج تبرع بأموال لإسرائيل، إلا أن موقفه أثار في حينه رد فعل عكسياً وتهافت اللبنانيون على حضوره.
كذلك، حصد موقف نصرالله من المخرج اللبناني الشاب زياد الدويري النتيجة العكسية نفسها. فبعدما قال عنه إنه “يذهب إلى فلسطين المحتلة وإلى السفارة الإسرائيلية ليأخذ تأشيرة ويدخل ويخرج …”، في إشارة إلى ذهاب الدويري إلى إسرائيل لتصوير فيلمه “الصدمة”، رشح فيلمه “القضية رقم 23” لجائزة أوسكار عن أفضل فيلم أجنبي، فكان لبنان للمرة الأولى منافساً على تلك الجائزة.
ويذكر المثقفون اللبنانيون جيداً كيف اعترضت قناة “المنار” التابعة للحزب على النجاح الذي حصده فيلم “كفرناحوم” قاطفاً جائزة كبيرة في مهرجان “كان” السينمائي ودعمها نائب لحزب الله في تصريح “مقاوم”. ويذكر المثقفون أيضاً كيف حمل أحد نواب الحزب على ما سماه “الفلتان” الثقافي في لبنان ورفع إصبعه مهدداً، وفي رأيه أن العروض المسرحية والفنية ترسخ الفلتان.
… يصادر الحزب قرار السلم والحرب منذ زمن وتعجز الدولة اللبنانية بتركيبتها المعقدة عن استرداده، على رغم ما يكلفها هذا الأمر من عداوات وتداعيات تتجاوز حدود البلد الصغير إلى علاقاتها بدول المنطقة والعالم. وحتى المساعدات الأمريكية للجيش اللبناني باتت مهددة نتيجة عجز السلطات اللبنانية عن انتزاع حقها في حصرية السلاح. ولا تقل محاولات الحزب التدخل في ثقافة اللبنانيين ولباسهم وتقاليدهم خطورة عن قدراته العسكرية، ولا عن قدرته على التعطيل السياسي في البرلمان والحكومة، خصوصاً في ظل دولة عاجزة عن الوقوف في وجهه ومنعه من فرض عادات وتقاليد خاصة به وتعتبر غريبة على المجتمع اللبناني.
المصدر : 24