ممدوح عزام: لماذا نكتب؟

0

هل يسأل الكاتب نفسه حقّاً لماذا يكتب؟ لا يرغب الكاتب في مخاطبة السلطة، أيّ سلطة كانت: سياسية أو مجتمعية أو دينية؛ أي لا يرغب في الحوار مع سلطة، بل في نقدها، أو نقد الممارسة السلطوية. وبهذا المعنى، فإنّ الكتابة هي فعلٌ مُعادٍ للسلطة. فهل يرغب في مخاطبة المجتمع؟ أم في التعبير عن نفسه أوّلاً؟

على الرغم من تناقص عدد قرّاء الرواية العربية، وقلّة عدد النسخ المطبوعة، وغلاء أسعار الكتب، فإنّ عدد الروائيين، أو عدد الكتّاب ــ وهذا أكثر تعبيراً عن فحوى الكلام هنا ــ في العالم العربي قد ازداد زيادة هائلة بالمقارنة مع سنوات الستينيات من القرن العشرين، أو حتى العقود التالية من ذلك القرن. علماً أن الكتابة بوجه عام لا تقدّم بدائل للعيش لدى أكثرية هؤلاء الكتاب، فما هي دوافع الكتابة إذاً؟

أوّلها موجودٌ في مقالة جورج أورويل “لماذا أكتب؟”: حبّ الذات الصَّرف. مَن يمكن أن يعترف علناً أنه يكتب بسبب حبّه لذاته؟ لا أحد، أو ربما القليل من بيننا. وإذا ما تابعنا شرح أورويل للدافع ذاته، فإننا سوف نهرب من هذه الإجابة بقدر ما نعرف، أو نعترف، أنّ فيها قدراً كبيراً من الحقيقة: “الرغبة في أن تبدو ذكياً، أن يتمّ الحديث عنك”.

أظنّ أن وسائل التواصل الاجتماعي قد عزّزت هذا الدافع أكثر من غيره، لدى جميع البشر. فالرغبة الأخيرة تبدو اليوم واحدة من أكثر الدوافع قوّةً لدى الملايين من الناس الذين يشاركون، لأوّل مرة في التاريخ، في تعبئة بياضِ هذه الوسائل ــ “فيسبوك” أو “تويتر” ــ بمثل هذه الحرية. يمتلئ هذا العالم الافتراضي بالحكمة والمعرفة والموجَزات الفلسفية والحياتية، التي يعتقد أصحابها أنها يجب ألّا تظلّ حبيسة صدورهم الذكيّة. أمّا “الرغبة في أن يُذكَر المرء بعد الموت”، فهي دافع يرتبط بالورق المطبوع، لا بالفضاء الافتراضي. لا يمكن لِمَن يكتب في عالم الإنترنت أن يفكّر بالموت أو بالبقاء، ولهذا يمكن أن يكون أحد الدوافع الأكثر التصاقاً باحتراف الكتابة التي تتطلب الصبر والوقت الطويل والكتب المطبوعة.

يعتقد أورويل أن السياسيين والجنود لديهم دافع للكتابة أيضاً، ربما كانوا من تلك الفئة التي تعتبر أن الكتابة “انتقامٌ من أولئك الكبار الذين وبّخوهم في طفولتهم”. لا ندري، ويحتاج الأمر إلى تحليل كتابات السياسيين والعسكر، بعد أن انبرى العديد من سياسيي العالم العربي إلى الكتابة، لمعرفة ما إذا كانت الكتابة لديهم مجرّد تصعيدٍ انتقامي ممّن كانوا كباراً أيّام طفولتهم. هل فكّرَ أيُّ كاتب في هذا؟ أتمنّى أن يكون هذا الدافع صحيحاً فقط لدى السياسيين والعسكر، إذ إنه قد يساعد على تحويل فكرة الانتقام من الواقع، حيث البنادق والمدافع والدبابات، إلى الورق، حيث الكلمات.

لا تنتقص هذه الدوافع من الحماسة الجمالية، أي إدراك الجمال في العالم الخارجي، ولا من الحافز التاريخي، بينما يرى أورويل أن هدف الكاتب النهائي سياسيّ، لا للانتقام بالطبع، بل لرغبة الكاتب في دفع الآخرين في اتجاه المجتمع الذي ينبغي عليهم السعي نحوه.

(العربي الجديد) ( اللوحة: لويس غرانر)