قال الروائي السوري حنّا مينة ذات يوم إنّ الرواية “هي ديوان العرب في القرن الحادي والعشرين” (حوار نُشر في “مجلّة الكرمل”، العدد الرابع، 1982)، ولم يعترض أحدٌ على كلامه، لا النقّاد ولا الروائيّون ولا الناشرون أيضاً. بل إنّ العبارة ذاتها صارت كرة يَتنافس أكثر من روائيّ أو ناقد على أبوّتها، أو أمومتها إذا شئتم، قائلين: بل هي ديوان العرب في نهايات القرن العشرين.
وعزّز هذا الرأي، من بعد، كتابُ جابر عصفور الذي سمّاه “زمن الرواية”، أي الزمن العربي للرواية، أو زمن الرواية العربية. وهي مقولة أُخرى تُعادل مقولة مينة، وتؤكّد حضور الرواية في حياتنا العامّة والأدبية. ومع ذلك فإنّ الرواية العربية متّهمة، اليوم، بأنها تكاد لا تصلح للقراءة، ويهجوها كلّ مَن هبّ ودبّ، وقد “أثمرت” جهودُ الهجاء في سوق القراءة، إذ تكاد تُهمَل، دون أن تُقرأ.
وهي حالة يعرفها الروائيّون والناشرون أوّلاً. أمّا الروائيّون فهم يعلمون أنّه لا يُطبع من رواياتهم أكثرُ من ألف نسخة لأكثر من أربعمئة مليون عربي، نفترض أنّ من بينهم ملايين القرّاء، ومع ذلك فإنّ الألف نسخة لا تنفد. بينما تطير رواية “صديقتي المُذهلة” المُترجمة، في وقت مُذهل. وأمّا الناشرون، فإنّ أرقام العائدات والمستحقّات المالية التي يَجب أن تعوّض التكاليف التي دفعوها لطباعة أيّ رواية هي التي تقدّم لهم النتيجة الحزينة نفسها.
لماذا؟ أحد الأجوبة يقول إنّ القارئ العربي يقرأ الرواية المترجَمة، ولا يقرأ الرواية العربية، ولنا أن نستنتجَ مع أطبّاء الحالة أنّ هذا القارئ العربي الذي لا يَجد في الرواية العربية ما يريدُه، وما يتمنّاه، وما يبحث عنه من فنٍّ وفكر وجَمال، بات إمّا مُختلِفاً من الناحية الثقافية والفِكرية عن الروائي العربي، وهذا غير منطقي؛ أو أنّه متقدّم فنّياً وفكرياً وجمالياً وفلسفياً عليه أيضاً، وهذا لا يطابق أيَّ واقع، لأنه سوف يُفضي إلى نتائج غير معقولة، كأن يكون مستوى القراءة العربية قد وَضع مستوى الإبداع العربي وراء ظهره؛ وإمّا عدواً مُخالفاً؛ أو متخلّفاً قاصراً.
والطريف أنّ النقد أو الصحافة لا يتّهمان الشعر العربي بمِثل هذه الاتّهامات على الرغم من أنّ حال الشعر، والمسرح أيضاً، والفنّ التشكيلي إذا شئتم، من هذا الجانب الإحصائي، صعب جداً.
وفي كلّ الأحوال، فإنّ على مَن يتّهم الرواية العربية بالقُصور والعجز أن يكون قد وصل هو شخصياً إلى معرفة عمومية بأمورها من نشأتها إلى آخر ما نُشر منها في أيّ بقعة من بقاع العالم العربي، وأن يُعزّز رأيه بالأمثلة. ونحن لم نتحدّث بعد عن المؤهّلات اللازمة، بدراسة، بل دراسات نقدية وبحثية تتناول الظاهرة، وتحلّل الوضع بعدالة وإنصاف، لا وضع الرواية فحسب، بل وضع القارئ والناقد والناشر، ووضع السلطة والحرّية أيضاً.
لا يعلم كلا الكاتبَين ــ حنّا مينة وجابر عصفور ــ أنّ ثمّة مَن يكذّب نبوءتهما، وأنّه، في الغالب، يُحيل الحقّ على الرواية، ويتجاهل الواقع. وهو حال يُشبه حالنا البائس الذي يَميل إلى إدانة الضحيّة وتبرئة القاتل.
(العربي الجديد)