ممدوح عزام: ثقافة الحرّية

0

في كتابه “أبناء رفاعة: الثقافة والحرّية”، يدافع الروائي المصري الراحل قبل أيام، بهاء طاهر (1935 ـ 2022)، عن دور المثقّفين في الدفاع عن الحرّية في التاريخ المصري ـ والعربي بالطبع ـ الحديث، أو في نشر مفاهيم تحرير المرأة، أو الدفاع عن العدالة والمواطنة وحقوق الإنسان، من رفاعة الطهطاوي إلى محمد عبده، إلى عبد الله النديم وطه حسين وقاسم أمين، مستنداً إلى الوقائع، في مواقفهم، أو إلى الأفكار في مؤلّفاتهم. فالوقائع والأفكار، معاً، هي التي تمنح تاريخ المثقّفين المصداقية في الدفاع عن الحرية.

فالطهطاوي مثلاً هو الذي استعاد، أو أعاد، مفهوم الوطن إلى المصريين، بعد أن “غاب عنهم طويلاً في العهد العثماني”، وهو الذي تحدّث عن واجبات “أعضاء الوطن في حقوق بعضهم على بعض لِما بينهم من أُخوة الوطنية”. والوطنية نفسها مفهوم حديث لا شك أن الطهطاوي أخذه عن الثقافة الفرنسية التي تعرّف إليها في أثناء مرافقته لبعثة الطلّاب المصريين إلى فرنسا، والأهم من ذلك قدرته على تمثُّلها، وتوجيهها باتّجاه فكرة المواطنة أيضاً. فإذا كانت الوطنية واجبات، فإن المواطَنة هي الحقوق اللازمة للفرد في علاقته بالوطن، ومن الضروري الإشارة أيضاً إلى أن الطهطاوي كان أوّل مَن أكّد عربياً مفهومَي الحرّية والمساواة.

واللافت أن يأتي عبد الله النديم بعد ذلك، فيقول إن العالم لا ينتظم نظامه، ولا يقوم قوام الهيئة الاجتماعية فيه، إلّا بالعدل والحرّية، فبالعدل يكون كلّ إنسان آمناً على نفسه وماله، وبالحرّية يكون آمناً على أفكاره وأعماله، ولن يتحقّق كلا الأمرين إلّا إذا توافرت “حكومة شورية عادلة لا تشوبها شوائب الاستبداد، ولا تتطرّق إليها طوارق الفساد”.

والطريف أن قاسم أمين كان وكيل النيابة التي حاكمت عبد الله النديم، وقدّم كلّ ما لديه من جهد لتبرئته من التُّهَم التي وجّهها إليه الاحتلال الإنكليزي، ونجح في ذلك. وفي الحياة الثقافية تابع قاسم أمين رسالة النديم في الحرّية. وعلى الرغم من معرفته بأن الأرض التي يتحرّك فيها مليئة بالألغام، فقد قدّم كتابه الرائد “تحرير المرأة” ثم كتابه “المرأة الجديدة”، وفي الكتابين نادى بالعمل على تحرير المرأة من عبودية الرجل.

وإذا كان دفاع المثقّف عن الحرّية لم يجد تطبيقاً له على الأرض العربية، فالمسؤولية لا تقع على عاتق المثقّف، ويقول بهاء طاهر عبارة شديدة الأهمّية في هذا الخصوص: “وتخيّل أنت معي [هو يخاطبنا كقرّاء منصفين] كيف كانت صورة حياتنا ستصبح لو نفّذ العميد [طه حسين] البرنامج الذي وضعه في كتاب ’مستقبل الثقافة في مصر‘”. حين كان وزيراً للمعارف، لا يتحمّل طه حسين، بوصفه رمزاً ثقافياً، المسؤولية عن العجز عن تطبيق المشروع الثقافي التنويري الذي قدّمه، بل السلطة السياسية الممثّلة بالملك فاروق الذي أقال الوزارة كلّها، ولم يستوزر العميد مرّة أُخرى، وكذلك السلطة الجديدة التي قامت بعد ما عُرف بثورة يوليو، التي أهملت طه حسين وكتابه أيضاً.

كتاب بهاء طاهر دفاعٌ مجيد عن ثقافة الحرّية لدى المثقّفين العرب في مواجهة محاولات المحو والتحريض ضدّهم.

*العربي الجديد