في روايته “عودة الروح”، يجعل توفيق الحكيم من سَنِية رمزاً لمصر، يتدافع الرجال في الرواية لكسب رضاها وحبّها. وفي “زقاق المدق” لنجيب محفوظ، تبدو حميدة أيضاً رمزاً لمصر. اللافت أنّ كلا الروائيَّين كان يتابع تقليداً بدأ في الرواية منذ النشأة، يجعل المرأة رمزاً لمصر، بل إنَّ روائياً اسمُه عبد الحليم العسكري يكتب رواية في بداية القرن العشرين عنوانها “سعاد” يشير بصراحة إلى هذا الرمز، ويستخدمه لأغراض سياسية، حيث تختار سعادُ/ مصر الفيلسوفَ لطفي السيّد بدلاً من الشاب المتهوّر مصطفى كامل.
ويطابق رجاء النقّاش في كتابه “أدباء معاصرون” بين حميدة بطلة “زقاق المدق” وبين مصر مطابقة حرفية. وبسبب تلك المطابقة تتحوّل كلُّ الشخصيات الأُخرى إلى رموز، بحيث يغيب عن الرواية، في التحليل النقدي، شكل الحياة. وتنتفي عن الشخصيات الخصائص الإنسانية العادية، فتفقد وجودها البشري وتتحوَّل إلى ملحقات وتوابع للشخصية الرئيسية: فهذا ابن البلد الفقير، وهذا ممثّلُ أو رمز القوّة السياسية المصرية في زمن أحداث الرواية، ويحدث مثل هذا في تحليله لرواية “قنديل أم هاشم” ليحيى حقي.
بل إنّ الناقد يقسر النص كي يتطابق مع تفسيره الرمزي لكون فاطمة النبوية بطلة الرواية رمزاً لمصر، بأن يعتبر أنَّ من المنطقي ألّا تُشفي الوسائل الحديثة في الطب أمراضنا، وهي هنا مرض خطير في عينَي فاطمة، لأنّنا لا نؤمن بها، بينما تستطيع الوسائل الشعبية أن تُشفي مرض العينَين بفضل إيماننا بها. وسواء كان الروائي يقصد ذلك، أم كان الناقد يرغم النص على هذا التفسير، فإن الموقف غير مقنِع، وغير صحيح من الناحية العلمية.
لا يشكّل الرمز في هذه الروايات أيَّ جزء من الحقيقة، أي أنَّ العلاقة بين الرمز وهو المرأة والمرموز لا تتضمّن أي عنصر يمكن الاستناد إليه في تبيُّن أوجه الدلالة، باستثناء إمكانية الاستفادة من كونها قادرة على الإنجاب، ومع ذلك فقد استُقبل هذا الاختيار بترحاب من قبل النقد، دون البحث عن أسباب هذا الاختيار.
تتحوّل المرأة إلى أيقونة، وتُستخدم كدلالة خارجية، أو كغرض يمكن إعداده للمناسبة، ولا يبدو أنَّ استعارة الرمز تشير إلى موقف مختلف من المرأة، أي أنه لا ينطلق من الإيمان بقيمتها ودورها ومكانتها في المجتمع، كما أنه لا يريد أن يحرّرها، أو يتحرّر بوجودها، فلم تكن حرية المرأة في كل واحدة من هذه الروايات شاغلاً فكرياً للروائيّين.
يمكن أن نردّد القول نفسه في ما يخص النقّاد أيضاً، عند تحليلهم لرمز المرأة الوطن، دون أن ننفي عن أي منهم انشغاله بهذه المسألة. الأكثر أهميةً أن كلّاً من الروائيّين والنقّاد لا يشيرون إلى أنّ المرأة التي يمكن أن ترمز إلى الوطن، لا تستطيع تمثيله، والأصح أن نقول إنه لم يكن يُسمح لها بتمثيله، كما لم يكن يُسمح لها عامّة باختيار شريك حياتها. والملاحَظ أن يكون من استخدم هذا الرمز هم الروائيّون، لا الروائيات، فالمرأة لا ترى نفسها رمزاً، بل كائناً طبيعياً من لحم ودم، يطالِب بحقوقه الإنسانية على الأرض.
(العربي الجديد) (الصورة: “المثلّث” لـ هيف كهرمان – العراق)