كثيرٌ من الكتب يصبح اسمُها أو عنوانها علامة لا يحتاج المرء لجملةِ تعريفٍ إضافية كي يُعلم القرّاء عمّا يتحدث. “الحرب والسلم” مثلاً، “الإخوة كارامازوف”، “البحث عن الزمن الضائع“، “دون كيخوته”، “الملك لير”. وكلّ واحد من هذه العناوين ينتمي إلى ثقافة، أو لغة، تعتزّ بانتماء الكتاب إليها، أو إن بعض تلك الثقافات، أو اللغات، تفخر بأن تنتمي هي إلي الكتاب.
في معظم المقابلات مع الكتّاب المعروفين في العالم، يذكرون “ألف ليلة وليلة” بوصفها جزءاً من تكوين الخيال لديهم. لقد قرؤوا الليالي صغاراً، حيث يبدو أن جهاتٍ ما قامت باختيار ما يصلح أن يُحكى منها للصغار من جانب المغامرة، ثم قرؤوها كباراً، واستمتعوا بها.
وفي كتاب الناقد محسن جاسم الموسوي، “ألف ليلة وليلة في نظرية الأدب الإنكليزي”، قوائمُ عن الاستقبال الصاخب لها في الثقافة الإنكليزية، وهو استقبالٌ لم يخفتْ، بحيث تكاد تلك الحكايات تصبح جزءاً أصيلاً من هذه الثقافة، ومن غيرها من الثقافات. اللافت في الأمر هو أن “ألف ليلة وليلة” قد أحدثت تغييراً جذريّاً هامّاً في تقنيّات الكتابة الروائية في الغرب؛ فإذا كانت الكتب النقدية تحتفي بالمعلّمين الكِبار في الكتابة الفنية الروائية، مثل فلوبير، وهنري جيمس، وإرنست همنغواي، وجيمس جويس، وماركيز وغيرهم من أساتذة فنّ الرواية في العالم، فإنّ كلّ مَن أشار إلى “ألف ليلة”، من الكتّاب الروائيين الذين قرؤوها وتأثّروا بها في اللغات الأخرى غير العربية، يعتبرون أنّها وحدها تُشكّل تقنيّة طارئة وجديدة على الأدب في العالم.
يمكن وضع حكايات ألف ليلة وليلة إلى جانب تلك العناوين دون تردّد، ولكنّ السؤال الذي سيرافقها هو: هل تفخر الثقافة العربية حقّاً بانتماء هذه الحكايات إليها؟ أو هل تفخر الثقافة العربية بانتمائها إلى هذه الحكايات؟
كان العرب، أو لنقل إن الثقافة الشعبية العربية، هي التي أوصلت “ألف ليلة وليلة” إلى العالم، و كان الخيال العربي الذي ابتكرها متحرّراً من كل الضوابط المتشدّدة المزعومة في أيّ جانب من جوانب الحياة أو أنماط التفكير. بل ربّما كان الحكواتي العربي، الذي نشأ بالتزامن مع هذه الحكايات، بحسب ما أتصوّر، نموذجاً فريداً في ثقافات العالم.
لم تعترف الثقافة العربية الرسمية ــ التي رفضت أن تُدخل هذا الكتاب إلى متنها، وأبقته طوال مئات السنين على الهامش بها ــ بـ”ألف ليلة وليلة” إلّا بعد أن أُحرجت من قِبَل الثقافات الأخرى ذات الثقل العالمي، التي أطلقت على العمل اسم “الليالي العربية”، وبعد الشهرة والإعجاب والتقدير الذي نالته “ألف ليلة وليلة” من قِبَل كلّ مَن قرأها في اللغات التي تُرجمت إليها.
غير أنّ الثقافة الرسمية ــ المتشدّدة دينياً أو سُلطويّاً ــ لا تزال تمنعها أو تحاول شطب أجزاء منها، بينما يهجوها بعض الكتّاب، ومن بينهم يساريّون يناصرون ثقافة الشعب، فيما يعتقد الصغار أن علي بابا ياباني، أو أميركي الجنسية، بسبب أفلام الكرتون التي يُخرجها “والت ديزني”. أكثر الأمور طرافةً هي أن لدينا نسخة موجّهة إلى الناشئين من ألف ليلة وليلة “مترجمة” إلى العربية.
(العربي الجديد)