مصعب قاسم عزاوي: أزمة الانفجار السكاني

0

من الناحية الواقعية فإن استمرار تزايد عدد البشر بالشكل الذي هو عليه راهناً سوف يصل في المستقبل غير البعيد إلى حد لا يمكن به للموارد الطبيعية للكوكب التواؤم مع ذاك الازدياد المضطرد، وخاصة في الأحياز التي ترتبط بإنتاج ما يحتاجه البشر من طعام وشراب للبقاء على قيد الحياة، وهو ما يستدعي فعلياً التفكر بحل ما للتعامل مع ما قد يستقيم دعوته بالانفجار السكاني المنفلت من عقاله لبني البشر.

ومن منظار عملي فإن الحل لتلك المسألة ماثل أمام عيني كل مراقب حصيف لما يجوب على الخارطة الديموغرافية العالمية، وخاصة ذاك المتعلق بشيخوخة المجتمعات الصناعية المتقدمة، والتي أصبحت مضطرة إلى اللجوء إلى فتح أبواب الهجرة إلى مجتمعاتها، بشكل يتفارق مع الوعي العنصري المتأصل بين مواطنيها، كما هو الحال في بريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان بشكل موارب، لأجل تعويض التناقص المضطرد في عدد سكان تلك الدول التي بالكاد ينجب الأزواج من مواطنيها ولداً واحداً في الغالبية العظمى من الحالات. وهو الواقع الذي لا يمكن إلا الاستنتاج منه دون عناء كبير، وبمنطق صوري مبسط، بأن ارتفاع المستوى الاقتصادي لأي مجتمع كفيل بدفع مواطنيه إلى تحديد نسلهم بشكل طبيعي. وهو الاستنتاج الذي قد يستقيم توسيعه بالقياس عليه للوصول إلى أن الحل الأمثل للتعامل مع ما يدعى أزمة الانفجار السكاني في مجتمعات الجنوب المنهوبة المفقرة، يتمثل في الحد من الإيغال في نهبها من قِبل مجتمعات دول الشمال الغني، للسماح لها بمراكمة ثروة يمكن لها أن تمهد لنهوض اقتصادي يعتمد على أساس تصنيعي، بالشكل الذي كانت نهضة المجتمعات الصناعية المتقدمة عليه من قبل، وهو ما يمكن تسريع آليات تحققه في حال قبول دول الأقوياء بتوطين القدرات التصنيعية التي يمتلكونها، وتطوير خبرات بشرية قادرة على تشغيلها، عبر السماح بنقل التقانات المتقدمة إلى مجتمعات المستضعفين، وفك الحصار الذي يلزمهم بالعمل بشكل شبه حصري لخدمة الشركات العابرة للقارات كمصدر لا ينتهي لقوة العمل الرخيصة، وبئراً لا رقيب عليه لاستخراج الموارد الأولية بأسعار شبه مجانية، ومكباً للنفايات لا قعر له، وسوق تصريف لمنتجاتها مشرعة الأبواب على أعنتها.

ويمكن أن يضاف إلى محور رفع القدرة الاقتصادية لمجتمعات المستضعفين، محور التعليم الذي أثبتت كل الدراسات المسحية الإحصائية، حتى في دول الجنوب والمجتمعات المنهوبة المفقرة، بأنه كلما ازداد المستوى التعليمي للفرد كلما ازداد حرصه على تحديد نسله؛ لمعرفته بقدرته المحدودة على الاهتمام بشكل سوي بذريته، بالإضافة إلى تفهمه للمخاطر الصحية والعقابيل المترتبة على زيادة الحمولات لدى السيدات الأمهات. وهو المحور الذي يتقارب ويلتقي في المآل الأخير مع أن المدخل الأول لضبط ما يدعى «انفجاراً سكانياً» على المستوى الكوني هو الحد من عمليات النهب المنظم لمجتمعات المفقرين، وهو الذي سوف يفضي بالتالي إلى تعزيز فرص وإمكانيات العملية التعليمية المتهالكة في دول الجنوب جراء اضطرارها المزمن لتحويل جل ما يتبقى من فتات ترفَّع النهابون العولميون عن التغول عليها، لأجل إطعام أكداس الأفواه الجائعة في مجتمعاتها دون التمكن من التفكر بأي شأن كان سوى البقاء على قيد الحياة اليوم دون التمكن من الالتفات لما سوف يكون في الغد في الغالبية المطلقة من الأحايين.

*خاص بالموقع