مصطفى تاج الدين موسى: انقراض المقابر

0

لا أعرف متى حدث هذا تحديداً، لكن جدي في بيتنا يقول لي إن أخر من خرج إلى الشوارع لدقائق قليلة، كان منذ خمسين أو ستين عاماً على الأكثر..
بصراحة أنا من جيل لا يعرف الشوارع، نعيش وندرس ونتعرف على بعضنا عن طريق وسائل التواصل وشبكات الإنترنت، أنا مثلاً ولدتُ منذ عشرين عاماً في هذا البيت، ولم يسبق لأحد أن خرج منه، لدي الكثير من الأصدقاء في هذا العالم، يعيشون في بيوتهم منذ أن ولدوا دون خروج، كما هو حال كل سكان الكوكب الآن.. يُقال إن الإنسان قديماً كان يخرج إلى تلك الأشياء التي اسمها شوارع أو حدائق أو…
بالنسبة لي ولأبناء جيلي، لا نعرف تلك الأشياء ويبدو لنا الخروج من البيت شيئاً غريباً، تماماً كأن تشاهد سلحفاة تطير في السماء بجناحين.. ويبدو أن عادة عدم الخروج من البيوت قد بدأت منذ عقود، ولكن لم أعرف لماذا وكيف بدأت هذه العادة.
عندما أسمع حكايات جدي العجوز عن الناس قديماً، استغرب من بعض عاداتهم التي انقرضت مع مرور الزمن، كعادة الخروج من البيت، نحن جيل بعادات مختلفة على هذا الكوكب، ولدنا وعشنا وكبرنا بين أربعة حيطان، وهذا الأمر يروق لنا كثيراً، ولا مشكلة فيه، إنها طبيعة حياتنا.. وإن حدث ومات أحد، يحرق أفراد أسرته جثته على سطح البيت، ويحتفظون برمادها في مزهرية صغيرة.
يقول لي جدي إنه قديماً كان هنالك شيء اسمه مقابر.. لا أعرف ما هي المقابر، الناس  قديماً، منذ نصف قرن، كان لديهم عادات غريبة، وغير مألوفة لنا الآن أبداً.